Thursday, November 19, 2009

وباء لا مصل له




و باء لا مصل له
أعشق البدايات , أندفع ناحيتها  بحماس و حب شديد ,يفتر بعد فترة لا أنكر ذلك و لكن دائما يكون هناك بداية جديدة , مثل بداية عام دراسي جديد , أقبل عليه بشوق و حلم بأن هذا العام سيكون أفضل من سابقة, أحساس لازمني طوال سنوات دراستي و استمر معي حتى ألان تنتابني حالة من السعادة الغير المبررة مع بداية العام الجديد , في المدرسة دائما هناك جديد رائع بعيدا عن كل ما هو عطن , فاسد  مثل أللقاء بطالبات جدد يحملن بعض من ملامح الطفولة  التي تتصارع مع مظاهر البلوغ البادئة في التوغل داخل روحهن و أجسادهن , اعشق أن أراقبهن و هن يكبرن أمام عيني كل عام اشعر أني  دائما أولد معهن محملة بحياة جديدة .
لكن هذا العام حتى تلك الاشراقه الوحيدة في مدارسنا العامرة بكل  مقبض و بغيض لا مكان لها فقد وجدت الوزارة طريقة رائعة لغلق الدائرة تماما حول أعناقنا   لندور في دائرة العمل العشوائي  المختلط برعب الوباء القادم من خلال إحتياطات وهمية للوقاية وحماية الصغار من الوقوع في براثن هذا الوباء.
   و لكن ما هذا الوباء هل هو أنفلونزا الخنازير هذا الرعب المسيطر على عقولنا جميعا أم ان هناك وباء أخر بدأ  التوغل داخل أرواحنا .
شيماء فتاه جميلة تلهو كطفلة , تعلو ضحكتها المرحة , تجري و تلعب مع صاحباتها , أراقبها بحب يشوبه بعض الضيق  ,أتساءل داخل أرجاء ذاتي ما سبب هذا الضيق الذي يعتريني كلما رأيتها تجري و تلعب؟  أليس من حقها ذلك ؟ أكره مشهد جريها المتعثر و هي مكبلة داخل هذا الرداء الغريب الذي لا يتناسب مع طفولتها المتدفقة, فهي مختفية داخل هذا الإسدال العجيب ماذا يريد أن يخفي أهلها , ليحاصروا طفولتها داخله , كم اعشق ضحكاتها البريئة .
في هذا اليوم استوقفتني أم متخفية تماما لا يظهر منها حتى بريق عينيها مرتديه هذا السواد الذي أصبح يحاصرنا  في كل مكان وقفت أحاول كبت ضيقي , أحدثها و هي تسأل عن أبنتها , ثم بدأت في الحديث الذي جاءت من أجله , تطلب مني خدمه ترجو أن أستطيع تحقيقها لها أنظر إليها متسائلة ؟ تخبرني أن فتاتها تجلس بجوار فتاه مسيحية تحمل في حقيبتها أيقوناتها و تخرجهم لتريهم لابنتها و هذا يشعر ابنتها بالانقباض و الخوف , تتكلم بحزن وخوف حقيقي نحن لا نحب المسيحيين و ابنتي لا تريد أن ترى صورهم , أرجو أن تنقليها من هذا المكان  , انظر إليها و حيره عارمة تتملكني , لا أستطيع أن أحرر جواب أسأل الفتاه هل صديقتك تضايقك في شئ  أراكما متحابان تلعبنا و تجرينا و تأكلنا معا , تومئ الفتاه برأسها علامة الموافقة لكنها تعود لتنظر إلى أمها و يبدأ الاضطراب يسري داخل الحروف و الكلمات المبعثرة من فمها الصغير:  أخاف من تلك الصور التي تحملها و أمي تخبرني أنهم كفار و سيدخلون النار لا أريد أن اجلس إلى جوارها .
غربه شديدة , يتعال في تلك اللحظة صوت الأذان يملأ أرجاء المكان و ينتشر الصمت أحتراما للكلمات وتبدأ ألام في الترديد معه حتى ينتهي و أنا انقل بصري بينهما و هما متدثرتين بأثمالهما الكثيرة و السواد التي تلتحف به الام و تريد نثره داخل قلب ابنتها الغض فتنقلب البراءة الطفوليه إلى خوف و غضب و نفور حتى من صديقة لهوها الطفولي .
على مسافة ليست ببعيدة من تلك المرأة و الابنة,  تقف مجموعة من الفتيات متحصنات بأنفسهن معتزلات الجموع التي تدور حولهن جميعهن بدون غطاء للرأس يتحدثن و يتضاحكن, جميعهن مسيحيات لا تجد بينهن صديقة واحده مسلمه و عندما  ادرت ظهري لتلك المرأة متوجهة إليهن ساد صمتا بينهن و بدأن في محاولة فاشلة ومضطربة تغير دفة الحوار الدائر بينهن حتى انطلقت إحداهن ببراءة و عفوية غير مقصودة وسط نظرات الغضب و التحذير التي تحيط بها  تخبرني ان صديقتها أخبرتها أنها سوف تتدخل النار  و لما لا تدخل صديقتي النار و ادخل انا الجنة , فسألتها و لما ترهقي عقلك بهذا الأمر دعي الجنة و النار لخالقهما أنت ألان على الأرض ومازلت تعيشي , لما تتحدثي أنت و صديقتك عن ما بعد الحياه؟ , هزت الفتيات الرابضات إلى جواري رأسهن و هن يحاولن نفض ضيقهن من كل ما يدور حولهن في هذه اللحظة أشرت  للفتاه الواقفة بجوار أمها فجاءت الى مسرعة و أمسكت بيد تلك الفتاه الأخرى
و سألتهما ألستما صديقتان , فهززنا رأسيهما علامة الموافقة , ابقيا على هذا و لتسمعي آذانك و ترددي معه كيفا تشائين و أنت تأملي أيقوناتك و احفظيها داخل روحك كما تشائين أنت أيضا
وقفتا الفتانتين متقابلتان يعلو وجهيهما علامات من الإقبال  و الحب يشوبوهما الاضطراب و الخوف و في خلفية لقاءيهما المضطرب تقف ألام المتشحة بالسواد و الفتيات المتحصنات بأنفسهن معتزلات عن كل ما  حولهن , يحملن داخل طيات روحهن المضطربة عبارات تتردد داخل عقولهن الصغيرة  تنطق بنفس الغضب و الاحتقان و الوعيد بنار تأكل العقول و الأرواح  الحرة و تشيع داخل النفوس وباء لا مصل له و لا وقاية منه  .