Wednesday, September 23, 2009

الخوف


الخوف

اجتاحني شعور قوي بالضيق و الملل لم تفلح كل الوسائل الترفيهية في البيت لتقضي عليه, أمسكت كتاب, تاهت حروفه أمام عيني فأغلقته و أعدته مكانه , التليفزيون لم يفلح في إخراجي من داخل هذا الشعور , ضجيج الأولاد لم يغير شئ , ملل لا ينتهي!!
قمت من مكاني و ارتديت ملابس الخروج التي اختفي داخلها تماما و قررت الخروج ولكن إلى أين؟ لا يهم .
فتحت الباب و انطلقت إلى منطقة كوبري قصر النيل, أسير متأمله النيل غارقة في حديث صامت معه ,كانت رؤيته مع ارتعاش موجاته الهادئة كفيلة بأن تبدد مشاعر الملل و الضيق التي تجتاح روحي من أن الى آخر .
و لكن مع عميق أسفي !!!! لا يقبل المارة فكرة سير امرأة وحيدة على الكوبري,, لابد ان تكون في انتظار حبيب اخلف موعده و لابد أن يتبرع احدهم بشغل مكانه الشاغر, طوال سيري اسمع عبارات مثل (معندوش دم , في حد يسيب القمر ده ماشي لوحده) فشلت الفكرة و أستمر الشعور بالضيق يملا روحي, قررت ان استمر في السير بعيدا عن الكوبري و الذهاب لمشاهدة فاترينات المحلات و أثناء تجوالي أعجبني بنطلون جينز و بلوزة قصيرة على المليكان القابعة في سكون داخل الفاترينة , فتحت حقيبتي و جدت أن ما معي يكفي لشرائهم و العودة الى المنزل, لم اعتد ارتداء مثل هذه الموديلات من الملابس, ترددت قليلا ثم حزمت أمري و لما لا ربما التغيير يقضي على الضيق الذي يسبح منتشرا داخلي , اشتريتهما و شعور عالي بالسعادة يغمرني ,عدت إلى المنزل مسرعة, أفرغت الحقائب و ارتديت الملابس التي قمت بشرائها و أخذت أتأمل نفسي داخل المرآة ,عاد الضيق يتسرب داخلي ببطء مختلط بالقلق هل أستطيع الخروج هكذا حقا خلعت عني الملابس سريعا و علقتهم على الشماعة و حفظتهم داخل الدولاب , أسبوع كامل أخرجهم لأتأملهم ثم أعيدهم مره أخرى إلى مكانهم , حتى جاء يوم دعيت فيها لحضور حفل غنائي مع صديقة قديمة لم أرها منذ أعوام كان أخر لقاء لنا صادم, تغيرت كثيرا أصبحت أكثر تألق و انطلاق, لا تشغل بالها كثيرا بآراء من حولها ترتدي ما تحبه, تتكلم في مواضيع شتى دون حرج أو قلق يتطور عملها.
دائما تذهب بعيدا ثم تعود في ثوب جديد بينما ألقاها كما أنا بهدوء و سكون الثبات ,لا يتغير في سوى تقدم العمر و كر السنين و انتقال أولادي من مرحلة إلى أخرى في دراساتهم , لا ادري لما دعتني إلى ذلك الحفل؟! لم احضر حفلات غنائية منذ سنوات, لكن الدعوة أطلقة داخل روحي حالة من البشر و السعادة و الترقب اللذيذ , ظللت اقلب ملابسي بحثا عن شئ ارتدي و فجاء قفز أمامي ذلك الطاقم المهمل داخل الدولاب أخرجته و ارتديته و ظللت اشد في طرف البلوزة علها تزداد طولا ,إعجاب خفي بنفسي بدأ يطرأ على مشاعري ,مختلط بقلق واضح وعدم الارتياح و لكن لأني امتلك قدرا من العند يبقى على بعض من روحي المنطلقة التي تطوق دائما الى حياه متدفقة بعيدا عن الركود والسكون الدائم المحيط بي من كل جانب , قررت الخروج به و أثناء سيري لأصل إلى المواصلة التي سأرتادها لتحملني إلى مكان الحفل فوجئت بعاصفة من التجريح طوال سيري في الشارع( إيه إلى أنت عملاه في نفسك ده ؟ أنت فاكره نفسك فين ؟) و احدهم اقترب مني بطريقة أثارت فزعي و لقبني بالفاجرة ! زاد عندي و خوفي و قلقي و ظللت امشي و لكن بخطوات سريعة لأنهي هذا الشارع و اصل إلى العربة التي سأركبها و سؤال يلح على ماذا صنعت بنفسي؟ لا ارتدي ملابس عارية!!! و لا شئ ملفت صادم إلى هذه الدرجة لما هذا الكم من الحصار الذي واجهني طوال سيري ؟
بمجرد وصولي الى مكان الحفل و التقائي بصديقتي ألقيت بنفسي بين ذراعيها و انهمرت دموعي و انا ارتجف كطفل ضائع أعادوه إلى أمه, فبكى يشكو لها ضياعه , ظلت تهدأ من روعي و تسألني عن سبب كل هذا الانهيار؟؟
فحكيت لها كل ما حدث من لحظة سيري على الكوبري و شراء البلوزة و البنطلون حتى وصولي إليها ألان , سمعت كلماتي كلها التي ألقيتها مبعثرة مضطربة ثم هدأت من روعي و أطلقت سؤال محير و لما سكتي ؟ لما لم تدافعي عن نفسك ؟ لما تركتيهم يفترسوك بكلماتهم و اتهاماتهم و يخبروك ان لا مكان لك في هذا الشارع إلا وفق شروطنا الخاصة , لا تخافي توقفي عن السير جريا و واجهيهم .
اختزنت كلماتها داخل عقلي و حضرت الحفل معها و سرنا في الطريق نتحدث بعد الحفل و تصافحنا على وعد بلقاء قريب , عدت إلى البيت و شعور جديد يتسرب داخل روحي و في اليوم التالي ارتديت نفس ملابس البارحة وخرجت لأتنزه بجوار النيل وحدي و مع أول عبارة جارحة توقفت و استدرت ليصبح وجهي مقابل لوجه المتحدث و طلبت منه بنبرة غاضبة ان يترك الناس تسير في هدوء و يهتم هو بشأنه الخاصة بعيدا و عندما لم يهتم , علا صوتي ممتزج بسيل من الشتائم و الاتهامات و التهديد , فانتشر الفزع على قسمات وجهه و استدار هاربا بعيدا , تأكد الشعور الذي استيقظت به هذا الصبح عرفت انه الثقة بالنفس و سعادة الانتصار, رفعت رأسي التي كنت أسير بها مطأطأة دائما و بخطوات هادئة انطلقت في طريقي.

Saturday, September 12, 2009

أرض الواقع



بعد التخرج من الجامعة بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف راودتني أحلاما كثيرة لم تكن لها صلة بالواقع الذي نحياه فبالرغم من إنني كنت أوفر حظا لان وقت تخرجي كان يكفي أن احصل على شهادة التخرج لأحصل على جواب التعيين فورا إلا أن تصوري أنني سألقى تقدير ما على تفوقي كان هو الوهم ذاته فقد وصلتني معلومة لم اكن الحظها في ذلك الوقت و هي تفوقك لا يعني شئ , أما مدى علاقاتك بأصحاب القرار هي التي تعني كل شئ.
لم اعد اشعر بأهمية هذا التقدير الذي حصلت عليه في نهاية سنواتي بالجامعة إلا عندما كانت تلحقه أمي بجوار لقب مدرسة وكأن ألقب وحده لا يكفي للشعور بالفخر و بالطبع يضاف إلى لقبي كمدرسة و تقديري الذي يعبر عن ذكاني و اجتهادي الذي خانني في الثانوية العامة فألحقني بكلية التربية التي لا تمنح الفرصة لعمل اخرى سوى التدريس عبارة مثل( هو عمل مناسب جدا للبنات) ,كانت كل هذه المحاولات التبريرية لطبيعة عملي تشعرني بالضيق و تملأ جوفي بالتساؤل, لما تلك النظرة المتدنية للمعلم؟! أليس هو من لقبوه بالرسول , أليس هو من يشكل عقول أصحاب المهن الأخرى التي يشعر أصحابها بالتفوق و الفخر , ربما وصلتني الإجابة بعد عدد من السنوات التي عملت فيها كمدرسة .
هناك في تلك القرية حيث ذهبت لاستلم عملي و أتلقى حجر يلقى بقوه لهدم الكثير من أحلامي الوردية التي راودتني طوال فترة دراساتي بالكلية لكم أنواع المدارس الفلسفية التي أدلت بدلوه في كيفية بناء العقل البشري الحر المبدع الخ من تلك الكلمات البراقة التي اغرقوا آذاننا بها على مدار أربعة أعوام لم نتلقى فيها نحن أنفسنا أي فرصة لتفكير حر أو مبدع .

عند دخولي الفصل لأول مره طالعتني وجوه تبدو أنها وجوه لأطفال لكن الواقع غير ذلك معظمها وجوه يعلوها الإجهاد الشديد و صفرة الجوع, يرتدون ملابس مهترئة ,يعلوها الوسخ,ويتفقون جميعا على عدم الرغبة في سماع أي شئ مما أقول ,حاولت لحظة تجاوز انطباعي الأول و بدأت في التحاور بود مع الطلبة و الطالبات في فصل يضيق من عبأ ما يحمل حيث إن عددهم كان يزيد عن الستون طالب في هذا الوقت و بدأت أسأل عن اهتماماتهم و أحلامهم التي يريدون تحقيقها في المستقبل البعيد هكذا كان يصنع معنا مدرسينا في الماضي و كانت تنطلق وقتها من عقولنا سيل من الأحلام المتدفقة الواثقة من إمكانية تحقيقها في المستقبل ولكن يومها التبس علي الأمر فقد وجم الطلاب و لم يجدوا ما يقولونه حتى تشجع احدهم و اخبرني انه يتمنى أن يستيقظ يوم فيجد مبنى المدرسة قد اختفى تماما فهو لا يدري لما يأتي إلى المدرسة , يعمل مع أبيه في الأرض طوال اليوم ثم يأتي إلى المدرسة و يعود ليكمل عمله مرة أخرى, لحظتها أنطلق الباقون يذكرون أعمالهم الأصلية نجار ,مبيض محاره ,صبي على عربة ميكروباص الخ من الأعمال التي يضاف إليها عبأ المدرسة الثقيل مع أختفاء الأمل في أن المدرسة ستعطيهم غدا مختلف , أما الطالبات فيأتين المدرسة بانضباط و لا يغيبنا أبدا و يقومنا بأداء واجبا تهن ليستمر حضورهن إلى المدرسة و لا يتعلل إباءهن بشكوة المدرسين فيبقيهن في البيت لقضاء الحوائج المنزلية و انتظار العريس الذي سيريحه من عبأهن و قد قررن البنات انتظار هذا العريس أثناء ذهابهن إلى المدرسة ليس لأنهن راغبات في العلم و المستقبل المشرق الذي تمنحه المدرسة فهن فاقدات الأمل و الحلم مثل ألصبيه و لكن هربا من شقاء العمل بالمنزل بحجة المدرسة وسط هذا الطوفان ربما تجد اثنان أو ثلاثة يردن سماع ما تقول بعقول مشوشة مضطربة تريد ان تحلم لكنها غير واثقة من جدوى الحلم و في دائرة الحوار الشائك و محاولة تفهم هذه الهوه العميقة بين عالم أحياه بعيدا و عالمهم الذي اقتحمني دون وعي مني بحقيقة ما يدور داخله , قام احدهم ليسأل و تنبهت حواسي لسماع سؤاله الذي لم أستطع استيعابه الا بعد فترة طويلة من عملي بالمدرسة فقد كان يسأل عن مواعيد المجموعة المدرسية و كأنه يقول لي كفاك ثرثرة و لهو بعقولنا و هاتي من الآخر .
مدير المدرسة كان أستاذي و أنا طالبة بالمرحلة الإعدادية , ظللت من لحظة استلامي للعمل أعامله معاملة الطالب لأستاذه حتى توالت أحداث استدعت التغيير ,كان يستيقظ وقت صلاة الفجر ليصليها في الجامع ثم يتوجه الى المدرسة ليكون اول الحاضرين بها , يتكلم كثيرا عن الارزاق التي بيد الله و كفاحه الدائم لينجوا باولاده بعيدا عن مهنة التدريس وكيف انه نجح في تحقيق هذا الحلم و اصبح الان ابنه الاكبر طبيب و ابنته في كلية الهندسة ,يحكي عن سنوات خبرته الطويلة بالمدرسة, يفيض عليك بطيبته و الابوة التي تشع من كلماته, ما أضعف بريق الكلمات حين توضع على ارض الواقع , و هذا ما حدث حين جاء ولي امر يعمل ضابط بالشرطة يتطاير الشرر من عينه و امسك بزميل لنا و اخذ يوسعه ضربا و مدير المدرسة يقف بعيد لا يحاول التدخل او حتى المحافظة على مركزه الذي اهدره هذا الرجل بتعديه على احد مرؤوسيه اثناء تأدية و ظيفته و اقتحامه المدرسة دون اذن منه , وقفنا جميعا لا نحرك ساكن تشل اقدامنا المفاجئة ,حتى تحرك احد الزملاء ليفض النزاع, لحظتها تدخل مدير المدرسة و اخذ ولي الامر داخل مكتبه ليهدئ من روعه تاركا المدرس المعتدى عليه بيننا و نحن لا ندري ماذا يمكن ان يقال؟ و ما اسباب كل ما حدث؟, يومها اخبرنا المدرس ان ابن هذا الرجل دائم التطاول عليه في الفصل و قد اخبر مدير المدرسة عنه فلم يحرك ساكن فأضطر الى ضربه و إخراجه من الفصل , و برغم اني رأيت مدير المدرسة يعاقب طلاب كثيرون بالضرب لأسباب أخرى تافهة منها عدم دفع الفلوس الخاصة بالمجموعة المدرسية الا انه لم يحاول حتى استدعاء و لي أمر هذا الطالب لإخباره بسلوك ابنه داخل الفصل أو حتى تحويلة الى الاخصائية الاجتماعية لمعرفة أسباب هذا السلوك الغير سوي .
بعد ذهاب ولي الامر جمعنا المدير ليحكي لنا كيف انه عندما يوقف ضابط الميكروباص الذي يركب به بجوار السائق يترك مكانه فورا له و يعود الى الخلف , لأنه لو ساقته الأقدار إلى القسم و مثل بين يدي هذا الضابط سيعامله كالمسجلين خطر و لن يعمل لسنه ومركزه أي حساب , هو يعلم جيدا ان مناصب التربية و التعليم لا تمثل أي أهميه و لا يعيرها احد أي احترام
يومها لم نستطع استيعاب ما يقول فقد كنا جميعا حديثي التعيين و قررنا الامتناع عن العمل حتى يأتي هذا الرجل ليعتذر لزميلنا و يعيد له اعتباره و في اليوم التالي جاء احد أقاربه و لم يعتذر لزميلنا بالمعنى الواضح و قبل الزميل هذا أسوة بالمدير الذي اخبره أنه لا داعي للتشبث بحضور الأب فقد ضربت ابنه و هذا يعرضك للمسئولية و جميع من يقف إلى جوارك ألان إذا ذهب إلى القسم لن يشهد معك ضد ضابط و للأسف قد يكون فعلا على صواب .
في نهاية هذا العام الملئ بالصدمات جلست مع زملائي لتصحيح أوراق الامتحان و جاء وكيل المدرسة و رئيس الكنترول ليخبرنا انه لا يريد النتيجة اقل من 50% (خلى السنة تعدي على خير مش ناقصة تحقيقات و استجوابات تنتهي بجزاء اكبر مما تحصل عليه نظير عملك اليومي بالمدرسة) لم استوعب لحظتها ماذا يعني بتلك الكلمات حتى رأيت احد الزملاء يمسك قلم ازرق بجوار القلم الأحمر و يخط الإجابات في بعض الأوراق ثم يقوم بتصحيح إجاباته, لم استطع تحمل هذا الأمر ألا يكفي إننا ندمر عقولهم بمناهج تدعو للغباء و لا تنمي لديهم أي مهارات نضيف على ذلك وضع قيم جديدة مثل أهمية السرقة و التزوير و انه بالرغم من انه لم يجيب شئ في ورقة الامتحان ألا انه نجح بسهوله فما ضرورة ان يبذل مجهود طالما في النهاية سينجح مثل الآخرين الذين أجهدوا أنفسهم باستذكار الدروس طوال العام .
يومها قمت بتسجيل الواقعة في ورقة و قدمتها الى مدير المدرسة الذي احضر زملائي و افتعل ضجة ليوهمني انه يحقق في الأمر الذي انتهى باتهامي بإلقاء الاتهامات الجزافية و أني أريد أحداث شغب و إيذاء زملائي لأنهم يلعبون بعقول طلابي في الفصول التي اعمل بها ليعطوهم مجموعات و دروس خصوصية و أني أريد أن انتقم منهم بهذه التهمه و صاحب هذا الكلام تهديد خفي بأن تلقى هذه التهمه على بدل منهم , رعب شديد سيطر على يومها الزمني الصمت أعوام طويلة من حياتي كنت حالمة أكثر مما ينبغي, طفلة في تقديري للأمور , يأس شديد حولني لسنوات من عمري مجرد موظفة تذهب لتأدية عملها و تعود سريعا إلى بيتها حيث يوجد زوج و طفل ترعاهم و كفى ربما أستطيع أن اصنع من ابني ما عجزت عن صنعه مع الآخرين .