Monday, January 14, 2013

الخلاص


 
منذ زمن بعيد صنعت من نفسها وعاء يلقي الاخرين بقاذوراتهم  داخلها و هي تمتصها مانحه اياهم بعض من طاقتها حتى اصبحت  وعاء فارغ يأن من وطأت الخواء الداخلي , يريد ان يصرخ في وجوههم جميعا فلا يجد الصوت الذي يطلقه .

وهن شديد اعترى جسدها و هي داخل هذه العلبة الحديدية المسماه بعربه تريد ان تفر من داخلها سريعا لكنها لا تقوى على هذا  بعد عام كامل امتصمت فيها طاقتها و هي لا تشعر في محاوله مستميته لاستقبال الحلم الوهمي المفروض عليها بدعوا الحب كالمعتاد .

ظل عقلها يعمل بقوة لمدة اسبوع كامل في كر الكلمات التي تريد ان تلقيها في وجهه  عله يفهم انها تريده ان يغرب عن وجهها الى الابد .

 هي الان وجها لوجه امامه ,  لكنها  وكعادتها دائما لم تقل شئ , اكتفت بأن اسلمت له كل متعلقاته التي تركها عندها في محاولة اخيره لابقائها و استنزاف ما تبقى لديها من طاقه , ظانا منه انه مازال  لديها شئ تقدمه.

 برغم انها حاولت مرارا و تكرارا ان تخبره انها مجهده حد الموت , لكن صوتها كان منخفض كالمعتاد فلم يسمع سوى ما يريد ان يسمعه من كلماتها الخافته المبعثره  و كأن صمتها كان حافز قوي للاخرين لتجاهل ما قد يبدو على وجهها من الم الموت .

ابتسامه باهته ظلت تكلل وجهها و هو يحكي لها انجازاته مكتفيه بهز رأسها , رافع اياهه الى مساحات الافق التي تبدوا خلف سياج العربه الحديدي , حالمه ان تمنح لها الفرصه الاخيره للفرار بعيدا عنه , عن كل من منح لها الوهم مقابل روحها , كآخر امل لها في النجاه.

اخيرا اتت لها الفرصة التي كانت تنتظرها و لم تضيعها هذه المره  , حيث توقفت العربة في زحام كبير من عربات حديديه احاطت بها من كل جانب , ساعتها تمتمت ببعض الكلمات التي تبرر بها رغبتها في النزول من العربه الان على ان يعاودا اللقاء في وقت لاحق مستغله  انشغاله بالزحام المحيط به ,ساحبه جسدها المنهك  من جانبه الى الخارج بقوه و هي تحاول جاهده تنسم هواء الحريه  .

ظلت تجري و كأنها تظن انها سيتبعها  و يهدم اخر طوق نجاه تشبست به لتفر بعيدا قدر استطاعتها , و لما تأكد لها  انها بعيدا عن مرمى نظره , توقفت قليلا كي تلتقط انفاسها المتقطعه و بدأت في القفذ عاليا عالمة الخلاص و بشر لا حدود له يجتاح روحها المجهده و دماء حاره تنساب داخل عروقها و كأن الحياه تعود اليها من جديد .

تلمس اوراق الشجر , تقطعها , تعتصرها بين يديها علها تمتص منها رحيق الحياه التي تاهت من بين يديها ليرتوي هو ومن سبقه بها , غابت عن العالم و كأنها تسير وحدها في الطرقات لا يعنيها نظرات المحيطين بها من الماره حتى انساب الى مسامعها صوت هادئ : ليه بتقطعي الورق الاخضر ؟

تجاهلت الصوت و استمرت في لهوها  حتى تسارعت الخطوات لتسبقها مصحوبه بنفس السؤال الذي اطلقه صاحبها منذ لحظات .

اجابت بعند طفولي ظنت انها فقدتها مع  دماء روحها التي اريقت على كتفي صاحب العربه : انا حره .

اجابها صاحب  الصوت : عندك حق انت حره لكن لا تسلبي الورق الاخضر حقه في الحياه.

نظرت الى ملامحه الصغيره و صدق الكلمات المنسابه من وجهه الناطق بالحياه  , مطلقه من بين شفتيها ضحكه  قويه يملأها المرح لاول مره منذ زمن بعيد  و هي تبتعد عنه  بخطى سريعه و يداها تعبث  في مرح صادق بأوراق الشجر الاخضر دون ان تمزقه

فعاد  يرسل اليها  عباراته المرحه التي تملأ قلبها دفأ: تاني بتقطعي الورق الاخضر تاني ؟؟

اجابته و هي تسير بخطا  مسرعه كما عتادت و كأنها في حاله من الفرار الدائم غير مبرره : لا ادعوه فقط  ان يمنحني  رحيق الحياه

 انطلقت بعدها في طريقها , و صاحب الصوت يغيب عن ناظريها محتفظه داخل روحها بوجهه الحي و ضحكاته المرحه .

Friday, January 11, 2013

دفئ الجدران


 
 
عندما استلمت تلك الورقه التي خط عليها حروفا مفادها انها اصبحت تمتلك اربعة جدران مغلقه عليها وحدها لاول مره في حياته الطويلة بلا مكان و لا مأوى,  لم تستطع ان تكبح جماح مشاعرها و انهمرت دموعها و هي تسير في الطرقات تحدث نفسها بهستريتا غير عابئة بالماره الذين رصدوا صمتها الصاخب كثيرا و لم يعبأوا بها , فلما تعمل لنظراتهم الان اي حساب ؟

ظلت تبحث بين الاسماء الملقاه داخل هاتفها المحمول بلا عنايه علها تجد احدا يستحق ان يشاركها فرحها الممتزج بآلم عمرها كله,  لكنها لم تجد سوى روحها المعتله تحدثها :

الان اصبح لنا مأوى لا يستطيع احدا ان يقصينا منه , او يجبرنا على تقبل اوهامه مقابل استضافته لنا داخل جدرانه الخاص .

كيف سقطت بعد ذلك بين ذراعي وهم جديد ؟ هل لم تستطع تحمل اصطحاب روحها داخل جدرانها وحدهما ؟ لا تدري حتى الان سوى انها عندما رأته لم تستطع ان تقاوم عنف احلامه التي القاها بقوه داخل جوفها المعتل من طول الاغتراب و اسلمته روحها و جدرانها متناسيه الدفئ الذي انبعث منهما لحظة تسلمها لورقة امتلاكهما .

اسكنته روحها و جدرانها و انتظرت ان يجذبها من يديها و يطوف بها داخلهم ليضئ كليهما بأحلام مشتركه و لكنه لم يفعل ظل يبعثر احلامه و اوهامه الخاصه على جدرانها و يمتص روحها التواقة الى الانعتاق بقوه بينما هي تنكمش تدريجيا داخل روحها التي بدات في التقلص مع ضياع الدفئ و الحلم و تآكل الجدران .

لماذا ؟ سؤال ظل يصرخ داخلها بقوة و هي ترقب طوفانه , منهكه القوى لا تمتلك القدرة  على بناء سدود لدرأ خطره الذي يزحف على جدران روحها بعنف , يأكل معها حريتها التي تمنتها , امانها الذي بحثت عنه طويلا , يضيع كل اخضر كافحة ان تحيط نفسها به .

نفدت قدرتها على الصمت , هذا الصمت الصاخب الذي لم يعبأ به احدا من قبل و لن يعبأ به احدا إلا هي التي تنهارالان تحت وطأته , ويتصدع كيانها كله دون ان يسمع صوت انهيارها احد .

و عادت مرة اخرى تدرب صوتها على الصراخ , فخرج كحشرجات الموت لا يلتفت اليها احد و ظل هو ينهب روحها و يرسم طوفانه على جدرانها و كأنه لا يراها او يسمع حشرجاتها .

ماذا تفعل ؟ سؤال ظل يرج روحها بقوة دون جواب , تتصاعد ابخرته الى رأسها,  فيشل جسدها و يقعدها عن الحركه, بدأ يعاودها نفس الاحساس الذي كان يهاجمها عندما تنام فيقتحم رأسها كابوس تحاول الفكاك منه بأطلاق الصرخات و لكنها لا تنطلق سوى صرخات صامته,  يخنقها عدم قدرتها على اخراجها و تحاول و تعيد المحاوله ,

الان تحولت حشرجاتها الى انين واضح لكنه خافت الصوت .

توقف طوفانه قليلا و التفت اليها ملقيا كفه الغليظه على كتفها في محاوله خاويه من اي شئ لتهدئه روحها الفزعة او لنقل لتسكين هذا الالم البادي على وجهها حتى لا يفقد ما استولى عليه بضعفها و صمتها المعتاد .

لكن ثقل كفه آلمها اشد الالم لم تعد تحتمل ...... ظلت تكرر تلك الكلمه في صمت لم اعد احتمل .... لم أعد احتمل.

 تتعال حدة الكلمة , تخرج من جوفها ينطلق فيضانها المكبوت لسنوات طويله ....... لم اعد احتمل ..... ثم تلا هذه الكلمه , صرخت الحياه ..... اخرج من بين جدراني ,,, اترك روحي , اذهب بعيدا .........و أنطلقت كل صرخات القهر المكبوت داخل جوفها  الى وجهه.

 اوقفت طوفانه بعنف , القته بعيدا عن جدرانها , حررت روحها المعتله , حررت عمرها المنهوب .

و سقطت مغشيا عليها , كم مر عليها من الوقت و هي غائبه عن العالم ساعات ؟ ايام؟  سنوات ؟ لا تدري و لا تريد ان تحسب,  فما ضاع من الوقت تحت وطأة صمتها المكلوم بصخبه المكبوت أكثر .

ماذا تفعل؟ عاد يلح عليها هذا السؤال و هي تجول بنظرها بين جدرانها المنقوش عليها اوهامه و احلامه , تبحث عن روحها بينهم فلا تجد شئ!!

 قامت مسرعها و جلبت ادوات التنظيف التي تهوى ابتياعها دون ان تستخدمها و افرغتها كلها على الجدران و عكفت تمحوا كل ما خطه عليها علها تستطيع ان ترسم احلامها وحده دون انتظار العون من أحد على كل الجدران .