Wednesday, February 6, 2013

(المدرسة بيئة محكمة)


 
 

أثناء قراءة كتاب " انهم يصنعون البشر " أستوقفتني تلك العبارة " المدرسة بيئة محكمة يمكن من خلالها التحكم في السلوك و تعديله " .

مرورا بالفكرة الاساسية التي يناقشها الكتاب الخاصة بمهندسي السلوك البشري , لفت أنتباهي هذا التساؤل : هل السلوك المعدل هو أن يكون المتعلم في حاله من الهدوء التام و ذلك للاستماع الى المعلم  و كأنه المصدر الوحيد للمعلومه في هذا العالم دون تفاعل معه أو إحداث أي نوع من أنواع النشاط الحركي ؟

أعاد هذا التساؤل إلي ذكرى الأحساس بالبهجة و أنا أتجول في أروقة  تلك المدرسة التي زرتها بولاية ميرلاند بالولايات المتحده منذ اكثر من عشرة سنوات , يطبق فيها فكرة "التعليم الحر" حيث يتلقى فيها الطفل المعلومة من خلال إستكشاف البيئة المحيطة به هذا بالاضافة الى التعلم عن طريق التجربة و الخطأ .

 لا تعتمد هذه المدرسة على فصل مغلق, يظل الطفل جامد فيه لا يفعل شئ سوى الاستماع لكل ما يقلي به المعلم داخل  رأسه ,ثم حفظه و ترديده دون ان يكون له أي دور يذكر في العملية التعليمية .

و أستوقفتني النظرة التي تطل من أعين المتعلمين في هذه المدرسة و ما بها من حماس و شغف للمعرفة عن طريق التوصل لإجابات على الاسئلة التي يطرحها عليهم المعلم وإشرافه على محاولتهم للتوصل اليها بأنفسهم, مستعيده تلك النظرة الكئيبة الضجره التي تطل من أعين المتعلمين في مدارسنا و لسان حالهم يقول "أمتى الحصة دي تخلص "

و السؤال الان : ماذا يحدث في مدارسنا ؟ هل هناك خطة محكمة لتعديل سلوك المتعلم ليكون جامد ,هادئ يتلقى المعلومه في صمت أم ماذا؟

نظره سريعه الى حال مدارسنا برغم تعددها و تفاوتها الطبقي و الاهمال المتعمد للمدارس الحكومية التي تستهدف الطبقه الفقيرة من المجتمع , ستجد أنه اذا كانت هناك خطة تستهدف أطفالنا حقا , فلن تكون سوى خلق جيل لا يمتلك أي مهارة من مهارات الابداع و التفكير , أحادي النظرة لا يعرف أكثر من الوريقات التي يتعاطاها ليلقي بها في ورقة الامتحان و يخرج بعدها خاوي الوفاض لا يفكر في شئ مما درس او حتى كتب في الامتحان , هذا طبعا بأستثناء عدد لا يكمل أصابع اليد الواحده من المدارس التي يدفع لها أولياء الامور مبالغ فلكيه  ليتعلم بها أطفالهم , نستبعدها من حسابنا لأنها تستهدف نسبه لا تصل الى 1% من المتعلمين .

 التطور الطبيعي للعملية التعليمية التي أعتمدت منذ سنوات  طويلة على الشكل فقط دون الاهتمام بالمحتوى التعليمي , بالاضافة الى مناهج مكدسة و غير مستقرة تتغير بأستمرار مع الاحتفاظ بتكدسها و عدم الاهتمام بترتيب المعلومة التي تقدم بها و تفوقها في  التجاهل التام لإحتياجات المتعلم هي حالة الفوضى المتفشية في المدارس الان المتمثلة في لامبالاة المتعلم و عدم أهتمامه بكل ما يدور داخل أسوار المدرسة العالية , تلك الحالة التي لم يعد يجدي معها أساليب التهديد و العقاب المتبعه منذ قديم الازل .

و يضاف الى ذلك الاتهام الدائم للمتعلم بالفشل و إنعدام الاخلاق دون أي محاولة لدراسة الاسباب التي أدت به الى هذه الحالة  ؟

و من نتائج هذا التدهور و التدني الملحوظ في مستوى المتعلم  إنحصار إهتمامه في اجتياز الامتحانات بنجاح بأي شكل (تحول الغش داخل اللجان الى حق لا يجوز الاعتراض عليه) للحصول على شهاده يرضي بها أسرته و مجتمعه , يعني "يريح دماغه منهم " و بعد كده يعمل الي هو عاوزه أو ما يعملش اي حاجه , يترك هذا الامر للفروق الفردية بين البشر (الامكانيات الاقتصادية و الاجتماعية لكل أسرة) دون تتدخل ايجابي من المؤسسة التعليمية بكل عناصرها مع تخلي الدولة عن دورها تجاه تحديد أحتياجاتها من العلمية التعليمية و دعمها .

كل هذا يعود بنا الى عبارة المدرسة "بيئة محكمه " لنسأل هل ما يدور في مدارسنا الان يعبر عن خطة محكمه لتفعيل مبدأ الفوضى الخلاقة  أم انه نتاج اللاخطة من الاساس ؟