Monday, December 14, 2009

من نحارب و لحساب من




 من صندوق العجائب و الأحلام الذي تزدحم بها رأسي الغارقة دائما في عالم أحلامها الصامت , مزجت بين  صورة المرأة التي ترأس مؤسسة تعليمية (مدرسة) من أكبر المدارس في إدارتنا النائية  , يشار لها بالبنان و تعامل على أساس أنها مدرسة من مدارس الأحياء الراقية ضلت طريقها إلينا و صورة النساء حاملات راية التحرر من قيود مجتمع ذكوري نتوهم أنا نحيا فيه , مندفعة وراء  قوة كل الروايات التي سمعتها عنها من بعد  و غازلت خيالي  الخصب ,قررت الانتقال و العمل بهذه المدرسة , محاصرة و مستغرقة تماما  بصورة عن مديرة مدرسة أنيقة  واعية جميلة الخصال , قوية الشخصية , تقود عدد لا حصر له من العاملين , معلمين و إداريين و الآلاف الطالبات داخل أطار هذه المدرسة و ظلت الصورة تعلو في مخيلتي  فوق كل التحذيرات التي قابلت قراري من قبل بعض زملائي في المدرسة التي  كنت أعمل بها  و التي فسرتها من خلال اعتقادي الخاص على انها مجرد  رفض لفكرة وجود أمرأة قوية قادرة على ان تكون رئيسة و قائدة  ناجحة في مكان ما و تم لي ما أردت و نقلت إلى هذه المدرسة .
اول يوم لي بهذه المدرسة وجدت عدد لا حصر له من المدرسات في المدرسة مع نسبة قليلة من المدرسين , لم اعر للأمر اهتمام , فقد بدا لي الأمر طبيعيا , مدرسة بنات لابد أن تحمل عدد كبير من المدرسات و لم أتصور لحظة أنها تختار العاملين عندها بعناية فائقة أو أنها تستغل سلطتها فتقبل أو ترفض من ينقل إلى مدرستها من خلال درايتها بتاريخة السابق للعمل بالمدارس الأخرى أو لأنها تعلم أن النساء في العموم يسهل اقتيادهن لأنهن مستعدات مسبقا للقهر و الإرهاب  دونما مجهود خارق منها عكس المدرسين الرجال الذين يغلب عليهم القدرة على إثارة الشغب .  حملت أوراقي و ذهبت للقاء مديرة المدرسة بشوق حقيقي للقاؤها , من الوهلة الأولى  انهارت الصورة الخارجية التي رسمتها لها في مخيلتي  , امرأة ضخمة الحجم متدثرة داخل ملابسها الفضفضة في محاولة يائسة لإخفاء سمنتها المفرطة , ضاعت الصورة و لكن بقى الحلم ببقاء المضمون داخل الصورة ,  فهل بقى المضمون حقا ؟
تقدمت لها بخطى وجله يشوبها كثيرا من الخجل و الاضطراب  ,هكذا انا دائما عندما اعبر عالم جديد بعيد عن نسيج خيالي الخاص فأبدو للناظر كطفلة ضلت طريقها بعيدا عن حضن أمها الدافئ في ليله مطيرة قارصة البرد , ربما هذا المنظر أرضى غرورها حتى الموت فقد اتسعت ابتسامتها و رحبت بي بحنان أمومي خلته صادق في البداية  , هدأت نفسي و استكانت على أن المضمون مختبئ داخل الصورة  الخارجية المنهارة .
 ظللت أدافع عنها في كل مناسبة , نافضة عن رأسي كل الروايات التي تبرعت بها تلك الفتاه الرقيقة ضحى التي كانت تحكي عنها فظائع  جعلت الأمر يلتبس علي , فضحى فتاة طموحه مشرقة محبه للحياة , سافرت في بعثة للخارج بمنحة تعطيها لنا الوزارة مقابل اجتياز اختبار التيفل في اللغة الإنجليزية و قد اتفقنا انا و ضحى في هذا الأمر وكنا نجلس معا نحكي عن ذكرياتنا و أحلامنا التي تشبعت بها قلوبنا من تلك النفحة الاروبية التي تنفسنا عبيرها خلال ثلاثة أشهر  , لتعود كل واحده منا حامله وهمها على صدرها طامعة أن تعبر به نفق مدارسنا  المظلم .
ومع إصرار ضحى على إخراجي من وهم أعجابى الخيالي بتلك السيدة دخلنا انا و هي في دائرة لا تنتهي من الحكايات , كانت تمتزج بمحاولتنا المستميتة لحفر أسمائنا في عالم لا يدرك حتى مجرد وجودنا .
ضحى :- مافيش فايده حاولت كثيرا و لكن لا احد يسمع او يجيب وعندما حاولت الاستفادة الشخصية من كم الشهادات التي حصلت عليها اكتشفت انها لا قيمة لها خارج جدران وزارتنا الميمونة.
يومها أخبرتها و انا سابحة في عالم الأحلام : لم تحاولي جيدا , لما لم تعرضي أفكارك على الأستاذة نعمات مديرة المدرسة ؟
نمت ابتسامة ساخرة على وجه ضحى : حاولت كثيرا صديقتي و لكن لم تسمع ولم تهتم .
بدا تساءل و استغراب يشوبه عدم تصديق على وجهي : ولكن أرى أنها تحاول بدأ تطوير المدرسة و النهوض بها سمعت كثيرا عن نشاطها قبل أن آتي إلى المدرسة .
ضحكت ضحى بمرارة شديدة  : نشيطة فعلا في فرض سلطانها على المدرسة و اقتيادنا كعبيد نلهج بالشكر و الثناء لها فقط و حتى هذا لا تقبله إلا من قله و أظن أنها لن تقبله حتى منك برغم صدق إعجابك بها .
لماذا ؟ انطلق سؤالي يحمل نبرة غاضبة
فأجابتني دون اكتراث و كأنها تقول لي برغم سذاجتك الواضحة إلا أن هناك بريق يخرج من عينيك تراه تلك المرأة جيدا و لن تقبله .
أتذكر يومها أني نظرت إليها ببلاهة حقيقية ففي هذه اللحظة اختلط الأمر على و لم اعد افهم شئ
انطلقت ضحى تحكي بعض الروايات الخاصة بأفاعيل تلك المرأة ناعمة الملمس كالأفاعي  و هي تسأل هل تذكري هذا المدرس الطويل اسمر الملامح الذي أختفي من المدرسة بعد مجيئك بشهر تقريبا ؟
أجبتها بنعم هذا المدرس الذي تلاعب بورق الكنترول و طالبت هي بنقله كعقاب بسيط مدعيه أنها تحاول حماية مستقبله من الضياع
أجابت ضحى :أجل هو , لا أستطيع حتى ألان نسيان نظرته المكسورة و هو مطأطأ الرأس أمامنا جميعا بعد أن شهد الجميع عليه بما فيه زملائه المقربين له الذين كان يعدهم أصدقائه , شهدوا على انه تلاعب بأوراق الكنترول و قلوب البنات المراهقات الذي استغل هيامهن بملامحه و سنه الصغير ليلهو بهن , عندما  أخرجت أوراقها التي سجلت عليها تلك العبارات و بصم الجميع دون أن يطرف لهم جفن و لم يتذكر أحد منهم أن دورهم آتي يوما ما.
 للأسف  الجرم الوحيد الذي ارتكبه  هذا المدرس انه ظن أنها قلب أم حاضن له فقد كان حقا طفلها المدلل في المدرسة , تضعه على رؤوس الجميع  , ليكن عصاها التي تضرب بها وقتما تشاء و لكن الفتى كان و لحظه  العسر يحمل ضميرا  مستيقظ على غير العادة أو على غير ما توقعت , فأثناء عمله بالكنترول ليلا في نهاية العام فوجئ أن هناك تلاعب واضح في درجات بعض الفتيات فحمل الورق و قام بتصويره و لسذاجته المفرطة حمل صور الأوراق  إليها و كانت النهاية أنها أخذت منه الصور  و طمأنته ثم كان ما كان .
مازلت ترينها امرأة رائعة و ما يقال عنها حقد على امرأة ناجحة في عالم الرجال ؟
نظرت إليها بعين زائغة لا تعي من الأمر شئ , أحدق في وجهها بشده علها تكمل حديثها فتضع قدمي المرتجفة على ارض صلبة و لكنها بدل من أن تفعل ذلك ألقت بالكرة الدوارة كلها في ملعبي الأسطوري علي اطوي أجنحتي التي أطير بها عاليا بعيدا عن واقعنا الأليم .
 جربي أنت بنفسك , ألم تبدي أي ملاحظة على ثيابك حتى ألان ؟ أجبت بالنفي ,ضحكت و قالت لي تريد ان تعرف أكثر عنك فصمتك الدائم لا يعطي انطباع كافي عنك  , سيحدث الصدام قريبا .
و حدث الصدام :  يوم قررت أن أذهب لأعرض عليها أفكاري و اخبرها بالسلبيات التي توجد في معمل الأوساط التعليمية و معمل العلوم بما لا يتناسب مع رغبتها الواضحة من كلماتها التي تلقيها على مسامعنا في كل مناسبة وكل اجتماع و انه يمكن بأفكار بسيطة تعويض النقص و لكن هذا يحتاج مساعدة المسئولين عن المعملين و لم أكن اعي وقتها أني أضع أولى خطواتي داخل عش الدبابير كما يقال فهذان المكانان تحديدا هما الوكر الذي يختبئ داخله حاشيتها التي تحيط بها محدثة شبكة من المصالح الشائكة التي يصعب استيعابها أو محاولة الاقتراب منها حيث الميزانيات المدرسية المنهوبة  و أن حاولت أن تفهم أو تقترب  سيكون المصير المنتظر  كمصير هذا المدرس الذي خرج مكلل بالعار لأنه حاول بنفس السذاجة الحالمة اجتياز أحد  أبواب هذا  العش .
لم أنسى حتى ألان نظرتها الغاضبة المغلفة بكراهية تكفي العالم وهي تخبرني أن المعملان على أعلى مستوى وتتساءل  من أين أتيت بكل هذه السلبيات الوهمية ؟
 و في سرعة ومهارة قد يفشل أعظم الممثلين اجتيازها  , لانت نظرتها , لتعود و تحمل نظرة ألام آكلة أطفالها وهي تلقي  بقطرات سمها في وجهي  :أنت جميلة و صغيرة ,  لا ترتدي تلك الجيب التي تكشف جزء من ساقك الأبيض , عندنا مدرسين لا تفوتهم فائته و فتيات صغيره نحن قدوة لهن حينها  تجمدت أوصالي و لم استطع أن انطق أو أحرك ساكنا !!