Friday, January 21, 2011

هل نسمع أصواتنا وقت النحيب

هل نسمع أصواتنا وقت النحيب



تجلس الى جواري تلك الطفلة ذات العشرة أعوام في أستكانه يعلو وجهها الهادئ علامات تشي بعدم متابعتها لما أقول , اتجاهل هذا الاحساس الذي ينتابني كلما ألتقت عيني بعينها , استأنف كري للمعلومات التي يحتويه الدرس الذي القيه على مسامعها و أعيده في محاوله للتأكد من أنها تعي ما أقول ,  رغبة مني في القاء هذا الحمل الثقيل الملقى على كاهلي لأغادرها متجهه الى غيرها لأعيد فعلت إجترار المعلومات و الكلمات المكررة .
 توقفت لحظة لألقي عليها هذا السؤال الروتيني , الذي لا أريد منها ان تجيبني عليه بأكثر من هزات من رأسها لأستأنف عملي مره أخرى : ها فهمتي ما قلته ؟
نظرت إلي و لم تحرر جواب و لا حتى تلك الهزات الروتينية التي كانت تحثني على الاستمرار لينتهي كل منا من أداء دوره من الكلام المستمر و الاستماع المستمر .
طأطأت رأسها لحظة ثم رفعتها وعلامات الحيره القاتله تعلو وجهها ثم أنطلقت تردد تلك العبارات : أنا مش بحبهم بس منذ حادثة الاسكندرية أصبحت أحبهم ثم تعود و علامات القلق و التوتر تعكر صفو براءة وجهها الطفولي : لكن انا مش بحبهم بتكلم معاهم بس لانهم معي في الفصل و المدرسة , .......
صمت يعقبه نفس الحاله القلقه المتخبطة : بس بكيت كثيرا و أنا أشاهد مع أخي صور الحادثة على مواقع الانترنت  , لماذا حدث هذا ؟ الدم و الموتى ....... تهمس مره أخرى هو انا مش بحبهم لكن أصبحت أحبهم منذ حدث هذا الانفجار عند الكنيسة

ظلت في ترددها المؤلم بين لحظات صمتها و تنقلها المرعب بين عبارتيها المتضادتين و كأنها تصارع وحش مجهول لا تستطيع الفرار من بين أنيابه الحاده المؤلمه .
حيره جامحه أجتاحت روحي و أنا أحاول جاهده ترتيب العبارات التي يمكن أن ألقيها على مسامعها في محاوله بائسه لأنتشالها مما هي فيه من تخبط و قلق

أعتدلت في جلستي و نظرت الى عينيها الزائغة مباشرة و أنا أسألها : ليه مش بتحبيهم ؟ هل أصابك أزي من احد منهم بالمدرسة أو الفصل ؟
و في براءة شديدة تجيب على سؤالي : لا لكن ........... تتوقف عن أتمام عباراتها التي أعلم جيدا ما تحمل
أعود لأسألها مره أخرى طيب لماذا لا تحبيهم اليسوا زملائك و أصدقائك بالمدرسة ؟
كلمات مبعثرة غير واضحة القت بها على مسامعي : بابا مش بيحبهم و أخويا و حتى سها بنت خالي مش بتحبهم و خالي كمان مش بيحبهم , ماما بس هي الي بيتحبهم و بتصاحبهم هي وحدها , لكن أنا زي بابا مش بحبهم .
حاولت جاهده أن أتمالك أعصابي فالطفلة التي تجلس الى جواري ليس لديها سبب واضح لهذا الاحساس الغريب بالكره تجاه زملائها الذين أصرت على  أن تعطيهم لقب هم و كأنهم من عالم آخر لا تنتمي أليه .......
ماذا أفعل ؟ سؤال بدأ يدق رأسي بعنف و لم أجد له جواب سوى تقمص دور المحاضر , بدأت في أستحضار تلك العبارات التي تمتلئ بها سموات القنوات الفضائية و الانترنت حامله شعارات يحيا الهلال مع الصليب و اضعه الصوره كخلفية لكل لقاءاتهم و هتافاتهم
عبارات مثل مصر لكل المصريين ,  دم واحد شعب واحد ,هم واحد و حق المواطنة للجميع و الدولة المدنية ألخ , ألخ...... ألقيتهم جميعهم في وجهها مصحوبه بشرح مفصل لكل كلمه و حرف فيها و هي تهز لي رأسها علامة المتابعه لكل ما أقول و عينها مفتوحه عن آخرها
 
توقفت للحظات قليلة ألتقط فيها أنفاسي التي تقطعت و انا القي محاضرتي الطويله العصماء على آذان تلك الصغيرة , القيت أثناء راحتي القصيره نظرة خاطفة على وجهها , كانت كافيه لتلزمني الصمت آلى الابد ...... وجه مصمت لا يشي بشئ و كأن روحها حملت حقائبها و رحلت بعيدا تارك لي جسدها  بهزاته البطيئة الوهمية يستقبل كلماتي الرنانه كطلقات خاويه محدثه صوتا ينتهي أثره بمجرد أن ينطلق و يضيع في الفضاء الواسع .
خيم صمت رهيب على المكان فلم أعد أملك حيله بعد أن القيت كل ما في جعبتي في وجهها ... هزت بعدها وجهها بقوه وكأنها تنفض عنها غبار طلقاتي الخاوية و عادت الى غمغماتها الاولى المتناقضة المتخبطه ما بين الحب و الكراهية
تلاقت وجوهنا و غرقنا في صمت مؤلم و كأن جسور التواصل بيننا قد تقطعت تماما , شريط من الصور مر أمام عيني بسرعة خاطفة كوميض البرق لتلك الوقفة الاحتجاجية التي نظمها النشطيين السياسيين كما يلقبون أنفسهم تعبيرا عن أعتراضهم على ما حدث بكنيسة القديسين بالاسكندرية ... أشعلوا الشموع بجوار ضريح سعد زغلول , جلسنا ساعات نتدفئ بلهب الشموع , رافعين لافتاتنا تحيطنا كاميرات المصورين و ميكرفونات المذيعين التابعين للقنوات الفضائية التي ستذيع صورنا مصحوبه بلقاءاتهم مع أصحاب البدل الصوفيه التي يختبئون داخلها مستغنين بها عن دفئ الشموع التي نشعلها ..... صور كثيره تمر..... نستعد للرحيل فقد أدينا دورنا بجداره .... يقترب طفل يقارب تلك الصغيره الجالسه الى جوراي في العمر  بملابسه المتسخه الممزقة من تجمع الشموع التي أشعلناها حزننا على ارواح من ماتوا غدرا, أقترب  متكورا الى جوارها رافعا يديه فوق لهيبها في محاولة بائسه للحصول على بعض الدفئ  و ظلت الصور تدور و يدور معها الكلمات الرنانه و الغضب و الحيره و الخوف و البرد  و نحن ندور و ندور و ندور ..........