Wednesday, July 1, 2009

السارق


السارق

كانت تراه أحيانا كثيرة, ترقبه مثلما اعتادت أن ترقب البشر من بعيد, صامت لا تشي ملامح وجهه بشئ,مما يترك لك حرية التخيل وطرح أسئلة تدور حوله و تعود إليك مرة أخرى غير محملة بإجابات واضحة ,هل هو مفكر يبحث بين وجوه البشر عن معنى للحياة أم يحاول اختراق حيواتهم بنظراته المبهمة,تجده يرفع رأسه و يخفضها ربما علامة على توصله إلى فهم احد الجالسين أو استيعاب ما بداخله , يتلفت حوله أحيانا , ثم تصدر منه ضحكة قد تكون بلهاء أو ربما تكون عميقة .كم أثار فضولها كثيرا و ضيقها أحيانا فبالرغم من أنها في الغالب تجلس صامته وسط التجمعات الكبيرة من البشر و خاصة إذا كانت لا تعرفهم معرفة جيدة لكنها كانت تحب إن تتأمل ثرثرتهم فالكلمات مع تعبيرات الوجه تكفي لا ن تستوعب هذا الإنسان تماما و إن أعطته بعض الوقت ليثبت صحة أو عكس ما تشعر.

في هذا  الوقت كانت ترتاد مقهى يجلس عليه مجموعة من البشر يتحدثون في السياسة ,في الحياة , في الفن , في أشياء عديدة تفتح معها عقلها و قلبها عن آخرهما, محاولة تفهم ما يدور حولها من كلمات تمتصها و تختزنها جميعا داخل طيات عقلها النهم لكل جديد و اثناء تلك الجلسات  أثارت  انتباه احدهم و بدأ بحاورها و يغازل اهتمامها الشديد في ان تعرف معني التصنيفات الكثيرة التي يصنف بها هؤلاء الجالسين أنفسهم

 عندما بدأت الخروج ومخالطة هؤلاء البشر كانت كل ما تعرفه هو ان الناس تقسم حسب ديانتها و المكان الذي أتت منه مسلم ,مسيحي,صعيدي,بحراوي و هي تصنيفات كانت في هذا الوقت ليست قويه او مؤثرة و لا تقسم الناس داخلها بقوة  قد تصل الى حد الفرقة بينهم ,لكن هناك على هذا المقهى اكتشفت ان تصنيف و تقسيم الناس اقوى و اعمق مما كانت تتخيل بهذا الخيال الطفولي الذي كانت تمتلكه.

أعداد كبيرة من الكتب يسلمها الى يديها يعدد لها اهميتها و هي تقرأها بنهم شديد ,تعود اليه بعدها محملة بالافكار و يبدأ هو في ترتيب تلك الافكار .

ببراءة طفلة تتحسس طريقها وسط عالم لم تره من قبل, كانت تظن انه قرأ كل ما كتب عن الاشتراكية و الشيوعية والعلمانية و الليبرالية قدمائها و هؤلاء المسمون بالجدد و مسميات اخرى تعبر أمامها و تثير حاله من البلبله و الاستغراب داخلها , كانت تسمع و تقرأ ما يعطيها من كتب و تبحث بعيدا عنه في قراءات اخرى تطفئ بها طاقة الشك النامية داخل روحها النهمه دائما لمعرفة الحياه و لمسها بقوه.

لكن هذا المتقرب لم يكتفي بسيل كتبه التي امطرها على عقلهاولا ثرثرته المستمره التي يتخذ فيها دائما دور المعلم و هي تلميذه هادئة مستمعه دائما , بل رأى داخلها كم المشاعر الطفوليه التي ماتزال في طور النمو, رغم اعوامها الثلاثين , حيث تهوى السير في الطرقات و على كورنيش النيل ,تعطيه نظرات طفوليه مختلسه وقصيره تحمل بعض مشاعر الحب , كان يتركها تصعد وتهبط  على السلالم و تجري امامه في لهو طفولى  و هو يرقب طفولتها بسعادة و ربما باستغراب يسألها كيف أختزنتى داخلك هذه البراءة طوال تلك الأعوام , هل كانت بريئة حقا ام كانت تختلس اللحظات التي حرمت منها في اعوام عمرها الاولى مع طوفان الحجر الدائم حتى على الحلم  الوهمي المختبئ داخل العقول ,هل كانت صادقة تماما في انطلاقاتها و هل هو كان مقتنعا ببراءتها الكاملة ربما.

ملل يدب في اوصالها سريعا ليست طفلة حقا , وراءها الكثير من المسئوليات تكبل كاهلها و خوف دائما من الاقتراب بقوة من الاخرين, هذا الرجل يحيا حياه مبعثرة تماما اشعرتها بالخوف الشديد بدأت تشعر ان زمام الامور يفلت من يدها ,هل تحبه حقا , هل يستحق هذا الاهدار الكامل, للوقت لم يعد لديه الكثير من الكتب و الافكار ليقدمها لها استوعبتها جميعا , اصبح يكرر نفسه في كل لقاء و يعيد عليها احلامه التي لا يسعى الى تحقيقها , هو سعيد بحياته هكذا , لكنها لم تعد سعيده , لم تعد تستهويها لحظات المرح الطفولي التي يقدمها لها ,اصبح وجوده مرهق ,في لحظة أكتشفت انها تريد التوقف , اخبرته بهذا ,ظل يحلل الموقف بطريقته المعهوده, كان يخضع كل الامور الى التحليل المطول الممل ,تنفض راسها سقما , تخبره انها ليست من المثقفين أمثاله هي امرأة عادية من العوام تبحث عن الحقيقة و لا تستوعب كثيرا ما يقول, يظل يثرثر و هى تسبح بعيد ا عنه, تتمنى ان تفر سريعا, حتى جاءت اللحظة الحاسمة التي اوقع نفسه فيها ظاننا منه انه بهذا يربكها و يوقعها في فخ الاستمرار ,عندما سألها بوضوح شديد هل تحبه ؟ و كان هذا بالنسبة لها طوق نجاه للفرار السريع و لا ول مرة تكون اجابتها واضحه سريعه و غير مراوغة (لا) , وقفت سريعا تريد انهاء الحديث لكنه لم يكن يستوعب بعد اجابتها و ظل زمنا طويلا لا يستوعبها بعد هذه اللحظة.

انقطعت تماما عن لقاءات المقهى و اختفى هذا الصامت المجهول من محيط رؤيتها الا مرات قليلة كانت تراه صاعدا او هابطا على سلالام اماكن كانت ترتادها قليلا في المحيط الذي يدور فيه مثقفين هذه البلد فلهم اماكن محدده لا يتركونها ربما ليشعروا بالامان لقربهم من بعضهم البعض ,ربما خوفا من الاغتراب وسط عالم غريب عليهم رفضوا الهبوط اليه او حتى محاولة رفعه الى اماكنهم ,وفي تلك اللحظات القصيرة كانت تكتفي بهزة خفيفة من رأسها للتحية و تذهب محمله بهذا الاحساس المبهم و الفضول القاتل لمعرفة من هذا الرجل.

حتى جاء هذا اليوم الذي ذهبت فيه بالمصادفة البحته الى احدى معارض الفنون التشكيلية, فحياتها تشكلها مجموعات لا نهائية من الصدف الغير مبررة و التي غالبا ما تكون لا حول لها و لا قوة في تشكيلها تتركها تسيرها كما تشاء , محدثة نفسها دائما متى تصبح شيئا اخر غير ريشة في مهب الريح,وقفت أمام اللوحات في سعادة و انبهار تلمع عينيها ببريق الحياه لروعت ما ترى من لوحات رسمت بقلب مولعا بمراقبة البشر تتساءل من صاحب تلك اللوحات؟ لتجد نفسها في مواجه هذا الصامت ينبئها بنظراته الحذرة الخائفه من مجرد الاقتراب انه صاحبها و تنساب وراء انبهارها, تحدثه عن عبقريته و هو يطلق ضحكاته الخافتة التي يشوبها البلاهة يتملكها شعور قاتل بعدم الفهم ,تحاول الاقتراب أكثر علها تفهم , تستوعب من اين يأتي بهذه الروعه , ما الذي في داخله يمكنه من افرازكل هذا ,مازال وجهه مصمت لا يشي بشئ , مازالت لوحاته تتحدث بعمق أقوى منه هو , تقترب أكثر فأكثر لتراه بوضوح تتكرر لقاءتهما يبدأ في التحدث يحاول جاهدا التأثير على عقلها , ربما توحي للآخرين أنها سهلة الانقياد, ربما لا يشعرون أنها ترقبهم من بعيد .

وأخيرا سقط القناع الصامت تماما,وظهر وجهه الحقيقي الذي يحترف صنعة إخفائه عن كل من حوله, يتلصص في فعل كل شئ حتى الاقتراب ,يمتص روح البشر المحيطين به ليسجلهم على لوحاته ,عرفت ألان من أين تأتي تلك الحياة المتدفقة من لوحاته, أنها حيا وات الآخرين يسجلها بدقة متناهية دون أن يكون طرف حقيقي فيها, فهو يسرق كل شئ أثناء صمته ,,الحياة,الروح, المشاعر , لكنه غير قادر على إعطائها إلى احد, السعادة ليست في الاقتراب منه و لكن في مراقبة ما يسجل على لوحاته و كفى , ربما يعرف هو ذلك بذكائه الذي رأته ألان بوضوح ,لذلك يؤثر الصمت و المراقبة عن التفاعل الحقيقي مع من حوله ,فبخلاف الحياة التي تتدفق من لوحاته لا توجد حياه أخرى من حوله كل ما عادهم ميت و ربما هو أيضا من هؤلاء الموتى, ماذا بقى لها بعد كل ما رأت و عرفت, لا شئ سوى فرار آخر و سريع 

فرار لا ينتهي و بحث لا ينتهي هل هي من لا تمهل الآخرين فرصة حقيقية للاقتراب ام انها تمتلك داخلها حياه تخشى عليها من موت كل ما حولها تفر بها سريعا علها تجد يوما حياه تلتحم معها و توصل بها حياتها الحبيسة الباحثة عن الانعتاق و الحرية .   

12 comments:

احساس لسه حى said...

عزيزتى

حلوة

الكل فى هذه الدنيا سارق

نترقب الاخرين ونتعلم منهم ونأخد منهم ما نحتاجه فى دنيانا

ومهما كانا تقسيمنا للناس فكل الناس يجمعهم الاف من الاشياء رغم الاختلاف بينهم

ربما بدات فى البحث متاخرة لاكنها بدأت ومن بدأ شئ لابد له من نهاية

ولا بد ان يجدد له النهاية

معلش التعليق ملغبط ومشتت لان القصة

بها كثير من المواضيع وادعوا للتشتت

تحياتى

سلام

Desert cat said...

كل شيئ فى بدايته يكون مبهر ولكن التكرار يصنع الملل لذلك كان كان ملل البطلة سريعا من بطل القصة عزائى لها فى اكتشافها كانت مجرد لوحه من بين لوحاته
تحياتى

shahrzad... said...

بجد حلوة اووووووووووووووووى

عجبنى اسلوبك جدااااا

بجد بحيكي عليه

Unknown said...

احساس لسه حي حقا جميعنا نحاول التواصل واكتساب كثير من المعرفه , ربما فعلا كلنا في هذه الدنيا سارق لكن المهم ان لا يكون قاتل

Unknown said...

قطه الحبيبة ليس المهم ان يمر الانسان بتجارب مؤلمه و لكن المهم الا تستغرقه و يضيع في دوامة المها و خدعتها
سعيده باستمرار التواصل و ارجو ان يدوم تلاقينا

Unknown said...

شهرزاد اهلا بك في مدونتى و ارجو دوام التواصل و شكرا على رايك و سعيده انها اعجبتك

Unknown said...

يسعدنى المشاركه في برنامجكم و و تبادل الافكار و الخبرات دائما

أسماء علي said...

رااائعة جدااا
جدااااا
جداااااا

و توقفت كثيرا أمام هذه الجملة

وسط عالم غريب عليهم رفضوا الهبوط اليه او حتى محاولة رفعه الى اماكنهم

تعلمين أن ذلك ما شعرتُ به بالضبط حينما تعرفت على كل أنواع البشر المختلفة و الغريبة في آنٍ واحد

ذات شعوري يا صديقتي
لذا بدأتً رحلة الهروب منهم

و ذلك الفنان إنه يمتص المشاعر في صمته ليصنع لوحاته
كثيرون من يفعلون ذلك
لكن سردك أكثر من رائع هذه المرة

تحياتي لكِ

Anonymous said...

ياماليكا يعنى انا لما اراقب الناس واقدر اصور احساسهم سواء فى كلمات او صور او نحت اقر سارق وللا فنان؟

Unknown said...

هناك من يمتص روح الاخريين ليسجلها و لكنه هو لا روح له فتجد صوره في منتهى الروعه من دماء الارواح التي امتصها هذا هو السارق الذي اقصده

Unknown said...

مررت علي المدونة وقد كنت مهيأ حسب ما قلتِ لي انها للفضفة والبوح لكن خدعت انت تمتلكين مهارة في السرد وموهبة نحتاج أن نتكلم حولها جد سعيد أنني مررت وسيكون لي زيارات أخرى

Naim Sabry said...

أحيانا نقابل من يرمى نفسـه إلى خضم الحياة محتفيا بها وفرحا بهديرها وأحيانا أخرى نقابل من يراقبون الحياة ويضيعومها فى الحسـابات الخائبة إلى أن ينتبهوا فجأة إلى هبوط الغروب واقتراب النهاية

نعيم صبرى