في كل صباح تستيقظ ليلى بتثاقل شديد تتلكأ في سريرها غير راغبة في النهوض من أغطيته الدافئة , تصر أمها على إيقاظها
استيقظي يا ليلى سيفوت موعد المدرسة .
تحدث ليلي نفسها وماذا في ذلك ليته يفوت , تبدأ في التأوه بصوت عالي مدعيه المرض
يعلو صوت أمها تمهيد لمرحلة الصراخ الصباحية التي تمنحها إياه كل يوم
قلت لك استيقظي ليس بك شئ و انا أعلم هذا جيدا
تهز ليلى رأسها في ضيق , تعلم جيدا أنه ليس هناك جدوى من ادعاء المرض فأمها تعلم جيدا أنها ليست مريضة و إنما تتعلل بالمرض لتتغيب من المدرسة
تنهض من سريرها مقطبة الجبين و شعور عالي بالضيق و الانقباض يحوطها
ترتدي ملابسها في بطء تبدأ أمها في عزف سيمفونية صراخها اليومي , اريدك ان تكوني طالبه متفوقة وناجحة لتصبحي طبيبة أو مهندسة يوما ما أضعت حياتي عندما لم أكمل تعليمي و لا اريد لك نفس المصير لما لا تساعديني على تحقيق هذا الحلم
تبدأ ليلى في حديثها الصامت مع نفسها الذي لا يخرج منه سوى همهمة لا تستطيع أمها تفسيرها مما يزيد من حدة صراخها العصبي
تكمل ليلى ارتداء ملابسها بسرعة حامله حقيبتها على ظهرها محملة بأطنان من الكتب و الكراسات لا حصر لها و تأخذ مصروفها من أمها في صمت مغلف بحاله من الغضب المكبوت
يعلو نداء صاحباتها من الشارع فيدب في جسدها حاله من النشاط المفاجئ و تبدأ ألان في التحرك بسرعة متحمسة للنزول يصاحب ذلك استمرار حالة الصراخ الغاضب الذي بدأته أمها : ايوه طبعا الآن تتحركي بحماس , والله أصحابك هؤلاء سوف يضيعوا مستقبلك للأبد
تحرك ليلى رأسها في ضيق و تسرع الخطى لتفر من صراخ أمها , محاولة الحصول على المتعة الوحيدة من هذه الرحلة اليومية وهي لقاء الأصدقاء و الدخول في دائرة من الثرثرة و اللهو الممتع الذي يرى كل من حولها انه مضيعة للوقت لا فائدة منه.
تعود إلى همهمتها :ألا يمل هؤلاء الكبار من الصراخ و اللقاء النصائح طوال اليوم بلا توقف و كأنهم امتلكوا وحدهم مفاتيح الطريق إلى النجاح و ما عداهم فشل و مضيعة للوقت , متى يهبطوا من أبراجهم ليروا ما نراه و يسمعوا ما نريده نحن ليس ما يريدونه هم لنا .
تلتقي أخيرا بصديقاتها في الشارع يتصافحن في مرح صاخب يبدأن في السير إلى المدرسة
اقتربت ليلى مع صاحباتها من باب المدرسة, حيث بدأت تلقي بظلها الثقيل على حديثهن المرح فيتخلله الصمت تدريجيا كلما أقتربتا من بوابة المدرسة و الولوج خلاله الى الداخل , يرقبنا غلق الباب بصمت غير مبرر متوجهين حيث يقف الطابور الصباحي الذي يسبق بداية اليوم الدراسي.
بدأ الطابور، وقفت ليلي إلى جوار صاحباتها في صف غير منتظم وسط صرخات مدرسة الفصل التي تحاول وقف سيل ثرثرتهن الذي لا ينتهي و تنظيم الصف ,حرارة الشمس الساخنة تلهب رؤوسهن و تطن آذانهن من مواضيع إذاعية مفروضة عليهن , لا تثير داخلهن سوى الشعور بالملل و عدم الرغبة في المتابعة.
تميل ليلى على أحدى صديقاتها وتبدأ معها في حديث خاص عن أحدث كليب لمغني شاب مشهور رأته بالأمس في التليفزيون أثناء انشغال أمها عنها بأعداد طعام العشاء و تخبرها صديقتها عن صور أحد النجوم الذي يعشقنه في مجلة اشترتها من مصروفها بالأمس, يندمجا في حديث ممتع يتشعب في كثير مما يشغل بالهن هذه الأيام و ربما دخلتا في دائرة من الأحلام عن ما يردنا أن يفعلنه بعد أن يتحررن من سطوة البيت الذي يضمهن و سطوة تلك المدرسة البغيضة.
تنشغل هي و صديقاتها بالتحدث مع بعضهن في أمورهن الخاصة التي لا يحاول احد ممن حولهن سماعها او الاهتمام بها, و فجأة.. تلمحها مديرة المدرسة التي تقف على منصة الإذاعة المدرسية ترقب كل من في المدرسة من طالبات و مدرسين بعين غاضبة دائما ,و في لحظة خاطفة بسرعة البرق تنقض على ليلى جاذبه إياه من ذراعها لتحملها إلى أعلى مكان في الطابور فارضة عليها رفع يديها إلى أعلى و وجهها ناحية الحائط ,همهمة مخنوقة تبدأ في الانتقال بسرعة بين صفوف الفتيات يعقبها صراخ المديرة محمل برياح الوعيد بأن يكون مصيرهن أشد وطأة من مصير تلك الفتاه لكن صديقات ليلى لا يتوقفن عن الاعتراض بصوت يصنع ضجيج خافت لا تستطيع أن تتحمله تلك المشتعلة غضبا , فتصرف الطابور و تطلب من كل الطالبات الصعود إلى فصولهن ماعدا فصل ليلى.
تظل طالبات فصل ليلى واقفات, رافعات أيديهن إلى أعلى طوال اليوم الدراسي تحت وطأة الإحساس بالضعف , الإهانة , الغضب المقهور , و تظل ليلى رافعة يديها وجهه للحائط يحاوطها نفس الشعور
بينما حرارة الشمس الحارقة الموجعة تذيب كل شئ الحلم , الروح , بريق الحياة المشتعل داخل القلوب .