حادثه بسيطة
في جلسة من جلسات النميمة المدرسية , استغرقت إحدى صديقاتي في حالة من الضحك الهزلي , حين تذكرت أيامها الأولى للعمل بمدرسة البنيين التي تعمل بها ألان و بدأت تحكي لنا وعيناها ممتلئتان بدموع الضحك و الدهشة لما رأت .
في أول يوم لي بالمدرسة , دخلت الفصل محاولة التعرف على من فيه من طلبه و ما فيه من أثاث , لم أجد سوى بعض مقاعد مهشمه يتكدس عليها صبيه تختلف أطوالهم و ملامحهم في تلك المرحلة المتأرجحة بين الطفولة و البلوغ و على جانب من الفصل يشتبك عدد من الطلبة في معركة قوية لم ينهيها سوى شعورهم بقدومي ليس خوفا أو احتراما و لكن ربما فضولا لمعرفة من هذه و ماذا تريد ؟
في الأيام التي تلت ذلك كنت أدخل الفصل وأنا أمني نفسي أن تمر الحصة بسلام و أقوم بتأدية الدور الوحيد القادره على ادائه , مستخدمة تلك الأدوات البسيطة التي لا أمتلك سواها , دفتر التحضير الذي يسجل به مختصر الدرس و طباشير للكتابة به على السبورة , حلمي الوحيد أن تنتهي الحصة في سهوله و يسر دون اي مشاحنات من تلك التي تحدث دائما في الفصل بين الطلاب , أ صحاب الطاقات المهدرة, حيث لا يوجد سبيلا لإفراغ تلك الطاقة في مدرسة احتلت المباني الخرسانية كل المساحات الفارغة بها و أصبح مسمى فناء المدرسة ذكرى قديمة لمساحة صغيرة لم تعد قادرة على استيعاب كل تلك الأعداد التي تعج بها المدرسة من الطلبة , لوقت لا يتعدى العشر دقائق لما كان يعرف قديما بالفسحة المدرسية و التي لا تكفيهم للتزاحم أمام دورات المياه لقضاء حاجتهم , أصبحت مشاحناتهم المستمرة مع بعضهم البعض هي المتنفس الوحيد لطاقتهم والتي لا أملك حيالها سوى حنجرتي التي أبذل بها كل طاقتي في محاولات يائسة لتهدئتهم حتى أتمكن من اللقاء الدرس عليهم و كأنه عبأ ثقيل احلم أن أتخفف منه , فأمامي منهج طويل أريد إنهاؤه , محاولة مزج الشرح ببعض الحيل ألبهلوانيه, التي أستخدمها في محاولة يائسة لتوصيل معلومة صماء لا روح فيها .
بدأت بكتابة العنوان وبعض الجمل الخاصة بالدرس على السبورة و بمجرد الانتهاء من كتابتها , استدرت لمواجهتهم , لأبدأ سرد ما كتبة من جمل, لكن كانت مفاجأتي عظيمة , وجدت طالبان في مواجهة بعضهم البعض و شرر الغضب يتطاير من عينيهما تبددت كل ألاماني في لحظه , تبخر حلم العبور بتلك الدقائق القصيرة اللعينة المسمى بالحصة , في لمح البصر قاما الطالبان بنزع حزام بنطلونهما و بدأت المعركة .
وقفت مذهولة , لا حول لي و لا قوه , حاولت تهدئتهم ببعض العبارات الهادئه تاره و بالتهديد و الصراخ تاره اخرى بلا فائدة , فهم مستمرين في إيذاء بعضهم البعض , ظل عقلي يعمل بسرعة البرق و سؤال واحد يلح على من هول ما أرى ماذا أفعل لإيقاف تلك المهزلة التي تدار أمامي ؟ ماذا أفعل لأنجيهما و أنجو بنفسي من العواقب الوخيمة التي قض تفضي إليها تلك المعركة ؟ تذكرت لحظتها أن الحل الوحيد أمامي هو أن أطلب النجدة من الخارج !
و جاءت النجدة أخيرا في صورة مدرس كان يمر بالصدفة و استرعت ضجة المعركة انتباهه , كانت صدمتي الكبرى أنه أقتحم الفصل , خالعا هو الآخر حزام بنطلونه, وأنهال على الطالبين ضربا حتى توقفا تحت تأثير الألم , انتهى الأمر, تمكنت أخيرا من تكملة الحصة في جو يملاءه الرعب و الحيره ! و بانتهاء الدرس حملت حاجياتي و خرجت بخطى مسرعة من الفصل .
خرجت بعد إنهاء الحصة , بداخلي رغبه أكيده أن أفر بعيدا عن هذا العالم الغريب , لكن السؤال الذي بدأ يلح علي هو إلى أين؟ أثناء استغراقي داخل هذا السؤال, أفقت على صرخات أحدى زملائي, يا أستاذه حسبي, ابعدي بسرعة , تلفت في رعب , فإذا بمقعد يطوحه إحدى الطلبة من الدور الثالث للمبنى المدرسي ليستقر المقعد مهشما على الأرض قريبا من قدمي التي شلتها المفاجئة و أنستني حتى السؤال الذي كان يلوكه عقلي منذ لحظات .