Sunday, February 21, 2010

ليلى




في كل صباح تستيقظ ليلى  بتثاقل شديد تتلكأ في سريرها غير راغبة في النهوض من أغطيته الدافئة , تصر أمها على إيقاظها
استيقظي يا ليلى سيفوت موعد المدرسة .
تحدث ليلي نفسها وماذا في ذلك ليته يفوت , تبدأ في التأوه بصوت عالي مدعيه المرض
يعلو صوت أمها تمهيد لمرحلة الصراخ الصباحية التي تمنحها إياه كل يوم
قلت لك استيقظي ليس بك شئ و انا أعلم هذا جيدا
تهز ليلى رأسها في ضيق , تعلم جيدا أنه ليس هناك جدوى من ادعاء المرض فأمها تعلم جيدا أنها ليست مريضة و إنما تتعلل بالمرض لتتغيب من المدرسة
تنهض من سريرها مقطبة الجبين و شعور عالي بالضيق و الانقباض يحوطها
ترتدي ملابسها في بطء تبدأ أمها في عزف سيمفونية صراخها اليومي , اريدك ان تكوني طالبه متفوقة وناجحة لتصبحي طبيبة أو مهندسة يوما ما أضعت حياتي عندما لم أكمل تعليمي و لا اريد لك نفس المصير لما لا تساعديني على تحقيق هذا الحلم
تبدأ ليلى في حديثها الصامت مع نفسها الذي لا يخرج منه سوى همهمة لا تستطيع أمها تفسيرها مما يزيد من حدة صراخها العصبي
تكمل ليلى ارتداء ملابسها بسرعة حامله حقيبتها على ظهرها محملة بأطنان من الكتب و الكراسات لا حصر لها و تأخذ مصروفها من أمها في صمت مغلف بحاله من الغضب المكبوت
يعلو نداء صاحباتها  من الشارع فيدب في جسدها حاله من النشاط المفاجئ و تبدأ ألان في التحرك بسرعة متحمسة للنزول يصاحب ذلك استمرار  حالة الصراخ الغاضب الذي بدأته أمها  : ايوه طبعا الآن تتحركي بحماس , والله أصحابك هؤلاء سوف يضيعوا مستقبلك للأبد
تحرك ليلى رأسها في ضيق و تسرع الخطى لتفر من صراخ أمها , محاولة الحصول على المتعة الوحيدة من هذه الرحلة اليومية  وهي لقاء الأصدقاء و الدخول في دائرة من الثرثرة و اللهو الممتع الذي يرى  كل من حولها انه مضيعة للوقت لا فائدة منه.
 تعود إلى همهمتها :ألا يمل هؤلاء الكبار من الصراخ و اللقاء النصائح طوال اليوم بلا توقف و كأنهم امتلكوا وحدهم مفاتيح الطريق إلى النجاح و ما عداهم فشل و مضيعة للوقت , متى يهبطوا من أبراجهم ليروا ما نراه و يسمعوا ما نريده نحن ليس ما يريدونه هم لنا  .
تلتقي أخيرا  بصديقاتها في الشارع يتصافحن في مرح صاخب يبدأن في السير إلى المدرسة
اقتربت ليلى مع صاحباتها  من باب المدرسة,  حيث بدأت تلقي بظلها الثقيل على حديثهن المرح فيتخلله الصمت تدريجيا كلما أقتربتا من بوابة المدرسة و الولوج خلاله الى الداخل , يرقبنا غلق الباب بصمت غير مبرر متوجهين حيث يقف الطابور الصباحي الذي يسبق بداية اليوم الدراسي.
  بدأ الطابور، وقفت ليلي إلى جوار صاحباتها في صف غير منتظم وسط صرخات مدرسة الفصل التي تحاول وقف سيل ثرثرتهن الذي لا ينتهي و تنظيم الصف  ,حرارة الشمس الساخنة  تلهب رؤوسهن و تطن آذانهن من مواضيع إذاعية مفروضة عليهن , لا تثير داخلهن  سوى الشعور بالملل و عدم الرغبة في المتابعة.
تميل ليلى على أحدى صديقاتها وتبدأ معها في حديث خاص عن أحدث كليب لمغني شاب مشهور  رأته بالأمس في التليفزيون أثناء انشغال أمها عنها بأعداد طعام العشاء و تخبرها صديقتها عن صور أحد النجوم الذي يعشقنه في مجلة اشترتها من مصروفها بالأمس, يندمجا في حديث ممتع يتشعب في كثير مما يشغل بالهن هذه الأيام و ربما دخلتا في دائرة من الأحلام عن ما يردنا أن يفعلنه بعد أن يتحررن من سطوة البيت الذي يضمهن و سطوة تلك المدرسة البغيضة.
 تنشغل هي و صديقاتها بالتحدث مع بعضهن في أمورهن الخاصة التي لا يحاول احد ممن حولهن سماعها او الاهتمام بها, و فجأة.. تلمحها مديرة المدرسة التي تقف على منصة الإذاعة المدرسية ترقب كل من في المدرسة من طالبات و مدرسين بعين غاضبة دائما ,و في لحظة خاطفة  بسرعة البرق تنقض على ليلى جاذبه إياه من ذراعها لتحملها إلى أعلى مكان في الطابور فارضة  عليها رفع يديها إلى أعلى و وجهها ناحية الحائط  ,همهمة مخنوقة تبدأ في الانتقال بسرعة بين صفوف الفتيات يعقبها صراخ المديرة محمل برياح الوعيد بأن يكون مصيرهن أشد وطأة من مصير تلك الفتاه لكن صديقات ليلى لا يتوقفن عن الاعتراض بصوت يصنع ضجيج خافت لا تستطيع أن تتحمله تلك المشتعلة غضبا , فتصرف الطابور و تطلب من كل الطالبات الصعود إلى فصولهن ماعدا فصل ليلى.
 تظل طالبات فصل ليلى واقفات,  رافعات أيديهن إلى أعلى طوال اليوم الدراسي تحت وطأة الإحساس بالضعف , الإهانة , الغضب المقهور , و تظل ليلى رافعة يديها وجهه للحائط  يحاوطها نفس الشعور
بينما حرارة الشمس الحارقة  الموجعة تذيب كل شئ الحلم , الروح , بريق الحياة المشتعل داخل القلوب .

Wednesday, February 3, 2010



يوم مشرق و فصل مظلم
في صباح مشرق  يصحبه سماء صافية على غير عادة قاهرتنا المحاصرة بغيومها السوداء دائما, تملكتني رغبة السير بتمهل و الاستمتاع بهذا الطقس الشتوي الممتع , لكني وسط تأملاتي الهادئة عادت الى ذكرى  دفتر الحضور و الانصراف ,  فاندفعت بخطى مسرعة  لألحق  به قبل أن يرفع وأجدني  داخل دوامة الافتكاسه الإدارية الخاصة بمعلمي الفترة المسائية في المدارس الحكومية حيث اننا يطبق علينا قانون عمل مختلف عن قانون العمل المتعارف علية  و هو أن الموظف من حقه ان يتأخر عن ميعاد العمل مده قدرها 120 دقيقة طوال الشهر , أم نحن فليس من حقنا التأخير و لا حتى عشر دقائق طالما نذهب إلى المدرسة الساعة الواحدة ظهرا .
اجتزت بوابة المدرسة وأنا مازلت في دائرة  اندفعي كطلقة مصوبة الى هدف محدد , فجأة  قطع مسيرتي المقدسة صوت ينادي : يا ابلة , يا أبلة , التفت بسرعة ناحية الصوت لأجد : امرأة ترتدي الزى الأسود المسمى بالإسدال, الذي أصبح الزى الرسمي لمعظم نساء هذه المنطقة, حتى مدرسات المدرسة التي أعمل بها , يقف إلى جوارها فتاة صغيرة الحجم , يبدو عليها الإعياء و الشحوب .
حاولت بمجرد التفاتي إليها أن تبدأ في سرد مشكلتها و لكني استمهلتها بضع ثواني لألحق بالدفتر و أعود إليها , نظرت إلي المرأة لا تعي مما أقول شئ ,  لكنها لم يكن أمامها شئ سوى  الاستسلام لمطلبي, أكملت  انطلقي نحو هدفي السامي,  لأجد وكيلة المدرسة  توشك أن تغلق الدفتر,  فما كان مني إلا أني وضعت يدي داخل صفحات الدفتر لمنع غلقه ,  مع إضافة ابتسامه بلهاء على وجهي  و اختطاف  القلم بحركة مباغتة  من بين دفتي الدفتر  , مسجلة أسمي في الخانة المخصصة له ,  متجاهله ضيقها التي حاولت إبداءه بوضوح , مديرة  ظهري لها و كأني لا أرى أو اسمع شئ مما يبدو عليها او تقوله.  و عدت أخطو بعض خطوات مسرعة بحثا  عن  المرأة هذه المرة   لأفهم منها ماذا تريد ؟
  وقد وجدتها كما تركتها  ما تزال غارقة في حيرتها و بحثها فتوجهت اليها بالسؤال.
ايوه يا ستى ماذا تريدين ؟
اندفعت تحكي بسرعة عن مشكلتها و كأنها تخشى أن أتبخر من أمامها قبل أن تكمل عرض مأساتها : ابنتي لم تأتي المدرسة منذ بدأ العام الدراسي , فقد كنت خائفة عليها من الإصابة بوباء أنفلونزا الخنازير و رغم حرصي وخوفي أصيبت بالمرض لان الفيروس موجود في الهواء كما قال لي الطبيب , قد عولجت و شفيت الحمد لله لكنها لم تمتحن أمتحاثات الشهر و ليس لها درجات لدي مدرسي الفصل المسجل به أسمها  و حاضرتك يا أبلة واحدة منهم ومش عارفة أعمل أية؟
ابتسمت لها محاولة أن أهدئ من روعها  و أخبرتها أنني سوف أمتحن الطالبات اليوم و ما عليها إلا أن تترك ابنتها تصعد إلى الفصل و سوف أقوم  بأخبار  باقي المدرسين بمشكلة أبنتها  .
نظرت لي نظرة يشوبها الشك و كأنها لا تثق في هذا الجنس الغريب الذي يحمل لقب مدرس و تريد ان تطمئن بنفسها .
عند هذه اللحظة اصطحبتها هي و ابنتها في رحلة بحث عن باقي المدرسين لتعرض عليهم مشكلتها بنفسها و يطمئن قلبها , و أخيرا اقتنعت بترك ابنتها في المدرسة هذا اليوم ليجرى لها المدرسين الامتحانات الشهرية   الخاصة بمادة كل واحد منهم.
صعدت الى الفصل وجدت تلك الفتاة التي أصيبت بالوباء رغم أنها تحصنت من الإصابة به داخل بيتها , فهاجمها من الهواء العليل المحيط بنا جميعا , بدأت بكتابة بعض الأسئلة على السبورة و قراءتها عدت مرات حتى تتمكن الطالبات من حلها , ثم جلست على الكرسي الذي انعموا علينا به داخل الفصل  هذا العام بعد سنين طويلة من العمل لا نجد مكان سوى تسلق مساند المقاعد الخاصة بالطالبات , جلست أتابع الطالبات و أحاول منع حالات الغش أحيانا و أحيانا أخرى أتجاهل محاولاتهن وكأني لا أراهن.
 مالت شمس اليوم المشرق إلى الغروب , فجأة على صوت  دى جى أستقر على الرصيف المواجه للمدرسة بالشارع  بأغاني صاخبة لإحياء حفلة افتتاح محل اى حاجة ب أتنين جنيه و نص .

  مع دخول المساء و غياب ضوء النهار تماما , صاحب صوت الدي جي ضوء قوي لعدد لا حصر له من المصابيح الكهربية الملونة التي تضيء و تظلم كعادة مصابيح الأفراح في المكان و فجأة و بدون مقدمات انقطعت الكهرباء عن المدرسة كلها و غرقت في ظلام دامس مع تعالي صوت الأغنية ( و بحب الناس الرايقة الى بتضحك على طول) تعالى صراخ الفتيات من كل مكان في المدرسة  فزعا , إلا فصلي الذي أشرف عليه فقد انتشرت فيه حالة من السكون تدعو إلى الريبة , يصحبها بقع ضوئية ضعيفة ,  أثارت فضولي فبدأت في التوجه إليهن متجاهله الصراخ و الغناء و الظلام الذي يغطي المدرسة,  لأجد الطالبات الرائقات وقد تجمعنا في حلقة تتصدرها الفتاة الشاحبة التي أختارها الوباء دون غيرها   على  ضوء  كشافات الموبيلات التي يحملنها رغم انف قرارات الإدارة المدرسية التي منعت تواجدها مع الطالبات , يسلطنها على ورق الامتحان و قد تجمعنا في حلقات ,  لينقلن الإجابة من بعضهن البعض , ظللت أحدق فيهن لا أدري ما ذا يمكن أن يكون رد فعلي على ما يفعلنه الآن ؟  
 بدأ شبح ابتسامة ساخرة يعلو شفتي , تزداد اتساعا , تحولت إلى ضحكات عالية و هن غافلات عني تماما .
تراقصت أمام عيني وأنا أتأمل استغراقهن في ما يفعلنه  ذكرى  ما سبق لي دراسته من سنوات عن أهمية عملية التعلم التعاوني كطريقه جديدة وأساسيه من طرق التعلم الحديث وكيف قامت عبقرية طالباتي الصغيرات بتحوير التعلم التعاوني إلى الغش التعاوني .

Saturday, January 16, 2010

حادثة بسيطة جدا




حادثه بسيطة
في جلسة من جلسات النميمة المدرسية , استغرقت  إحدى صديقاتي في حالة من الضحك  الهزلي , حين تذكرت أيامها الأولى للعمل بمدرسة البنيين التي تعمل  بها ألان  و بدأت تحكي لنا  وعيناها ممتلئتان  بدموع الضحك و الدهشة لما رأت .
في أول  يوم لي بالمدرسة , دخلت الفصل محاولة التعرف على من فيه من طلبه و ما فيه من أثاث , لم أجد سوى بعض مقاعد مهشمه يتكدس عليها صبيه تختلف أطوالهم و ملامحهم في تلك المرحلة المتأرجحة بين الطفولة و البلوغ و على جانب من الفصل يشتبك عدد من الطلبة في معركة قوية لم ينهيها سوى شعورهم بقدومي ليس خوفا أو احتراما و لكن ربما فضولا لمعرفة من هذه  و ماذا تريد ؟
في الأيام التي تلت ذلك  كنت أدخل الفصل  وأنا  أمني نفسي أن تمر الحصة بسلام  و أقوم بتأدية الدور الوحيد القادره على ادائه , مستخدمة تلك الأدوات البسيطة التي لا أمتلك سواها , دفتر التحضير الذي يسجل به مختصر الدرس و طباشير للكتابة به على السبورة , حلمي الوحيد أن تنتهي الحصة  في سهوله و يسر دون اي مشاحنات من تلك التي تحدث دائما في الفصل بين الطلاب , أ صحاب الطاقات المهدرة, حيث لا يوجد سبيلا  لإفراغ تلك الطاقة في مدرسة احتلت المباني الخرسانية كل المساحات الفارغة بها و أصبح مسمى فناء المدرسة ذكرى قديمة لمساحة صغيرة لم تعد قادرة على استيعاب كل تلك الأعداد التي تعج بها المدرسة من الطلبة , لوقت لا يتعدى العشر دقائق لما كان يعرف قديما بالفسحة المدرسية و التي لا تكفيهم للتزاحم أمام دورات المياه لقضاء حاجتهم   ,  أصبحت مشاحناتهم المستمرة مع بعضهم البعض هي المتنفس الوحيد لطاقتهم  والتي لا أملك  حيالها سوى حنجرتي  التي  أبذل بها كل طاقتي في محاولات يائسة  لتهدئتهم حتى أتمكن من اللقاء الدرس عليهم و كأنه عبأ  ثقيل احلم أن أتخفف منه  , فأمامي منهج طويل  أريد إنهاؤه , محاولة  مزج الشرح  ببعض  الحيل ألبهلوانيه, التي  أستخدمها في محاولة يائسة  لتوصيل معلومة صماء لا روح فيها .
بدأت بكتابة العنوان وبعض الجمل الخاصة بالدرس على السبورة و بمجرد الانتهاء من كتابتها , استدرت لمواجهتهم , لأبدأ سرد ما كتبة من جمل, لكن كانت مفاجأتي عظيمة , وجدت طالبان في مواجهة بعضهم البعض و شرر الغضب يتطاير من عينيهما  تبددت كل ألاماني  في لحظه , تبخر حلم العبور بتلك الدقائق القصيرة اللعينة المسمى بالحصة , في لمح البصر قاما الطالبان بنزع حزام بنطلونهما  و بدأت المعركة  .
 وقفت مذهولة ,  لا حول لي و لا قوه , حاولت تهدئتهم ببعض العبارات الهادئه تاره و بالتهديد و الصراخ تاره اخرى بلا فائدة , فهم مستمرين في إيذاء بعضهم البعض , ظل عقلي يعمل بسرعة البرق و سؤال واحد يلح على من هول ما أرى ماذا أفعل لإيقاف تلك المهزلة التي تدار أمامي ؟ ماذا أفعل لأنجيهما و أنجو بنفسي من العواقب الوخيمة التي قض تفضي إليها تلك المعركة ؟  تذكرت لحظتها أن الحل الوحيد أمامي هو أن أطلب النجدة من الخارج !

و جاءت النجدة أخيرا في صورة  مدرس كان يمر بالصدفة و استرعت ضجة المعركة انتباهه , كانت صدمتي  الكبرى أنه أقتحم الفصل ,  خالعا هو الآخر حزام بنطلونه,  وأنهال على الطالبين  ضربا  حتى   توقفا تحت تأثير الألم  , انتهى الأمر,  تمكنت أخيرا من  تكملة الحصة في جو يملاءه الرعب و الحيره ! و بانتهاء الدرس حملت حاجياتي و خرجت بخطى مسرعة من الفصل .
خرجت بعد إنهاء الحصة , بداخلي رغبه أكيده أن أفر بعيدا عن هذا العالم الغريب , لكن السؤال الذي بدأ يلح علي هو  إلى أين؟  أثناء استغراقي داخل هذا السؤال, أفقت على صرخات أحدى زملائي, يا أستاذه حسبي,  ابعدي بسرعة , تلفت في رعب , فإذا بمقعد يطوحه إحدى الطلبة من الدور الثالث للمبنى المدرسي ليستقر المقعد مهشما على الأرض قريبا من قدمي التي شلتها المفاجئة و أنستني حتى السؤال الذي كان يلوكه عقلي منذ لحظات .

Friday, January 1, 2010

حلم الحياه




حلم الحياة

صوت ميكرفون المدرسة يعلو بأسمى حاملا معه نسمات ريح غير طيبة لصوت مشرف المادة الرتيب , اعتدت أن أتجاهل نداءه و أعتاد أن يعيد تكرار النداء دون ملل , أضطر أن أجيبه لأوقف نزيف ضوضاء ندائه الذي لا ينتهي .
أصرخ من الدور العلوي حيث تقبع فصولي التي اسكن إلى جوارها متناغمة مع نسمات بناتي الصغيرات , محاولة إغفال كل ما يدور حولي عداهن : ماذا تريد ؟
اهبطي  للحظة ؟ أتأفف في ضجر و أهبط لأرى ماذا يريد ؟
عند وصولي إليه في فناء المدرسة يكن وجهي يحمل تساءل صامت ؟
يبادرني بطلبه : عايز عشرة جنيهات لعمل وسائل تعليمية تحتاجها المدرسة
أعود فأسأل اليس هناك ميزانية بالمدرسة لعمل تلك الوسائل؟
يتململ في وقفته : يا أستاذة  كبري دماغك المدرسة دي مكان أكل عيشنا و لازم نحافظ عليه
أنا في برود ظاهري: مش فاهمة , ماذا تعني ؟
مستمرا في ضجره و تململه :-  أنت تفهمي جيدا ماذا أعني كفاك جدالا جميع زملائك دفعوا المبلغ في صمت
تجتاحني حالة من الانقباض و الرغبة الملحة في العناد المختلطة بالغضب المكبوت ,
: أنا بقى لن أدفع فليس لي عيشا آكله في هذه المدرسة بخلاف مرتبي الذي أتقاضيه و ليس من ضمن بنوده  المساهمة في تكلفة الوسائل التعليمية التي على حد علمي أن دوري الوحيد فيها هو الإشراف على الطالبات أثناء تصميمهن لها بأيديهن و تحت ملاحظاتي .
يبدي غضب ظاهري  : لا فائدة فيك عموما , أنت حره سأبلغ مديرة  المدرسة و تصرفي أنت معها .
حينها لم أمتلك سوى ان رفع  كتفي مدعية أن الأمر لا يعنيني , بينما شعور بالقلق يملأني ,حيث أن هذا نذير ببدأ حرب جديدة في هذه المدرسة التي لا تنتهي معاركها الوهمية بعيدا عن دور أساسي خلت يوما أنه دوري الذي سوف ألعبه بها و هو معلمة داخل مؤسسة تعليمية .

حركة عشوائية غير منتظمة شعور بإرهاق شديد بلا مجهود حقيقي , أحاديث جوفاء تدور في دوائر مغلقة يقطع سيلها الممل الصاخب نداء جديد و كأن العالم فرغ إلا منى فأصبح أسمي هو نقطة الارتكاز الذي يدور بعيدا عنها عالم رحب ليطبق عليها هذا العالم القبيح الذي أختلت فيه كل المفاهيم لحد الشعور برغبة حقيقية في أن تكون أبله تسير في ركب هذا القطيع مغيب العقل و الرغبة في الحلم و ربما الرغبة في الحياة من الأساس .
أعود بملل حقيقي للإجابة على هذا النداء التالي الذي  يأتي من حجرة مديرة المدرسة الذي يبدأ عندها كل النهايات , و بنفس الضجر و التثاقل المختلط بعناد وحيد بلا نصير,  أذهب لأكرر نفس عباراتي التي سأمت من تكرارها لتقابلني بتلك ألابتسامه الباهتة ,  فتقلب في رأسي كل المعاني
المديرة : ازيك يا بنت يا نرفوزة انت , أغتصب من روحي  ضحكة زائفة بلا إجابة
تعيد علي نفس السؤال مش عايزة تشارك المدرسة في أنشطتها  ليه
أرد على سؤالها بروح ضجرة:-  هل كلفت بعمل و لم أقم به ؟
الأستاذ المشرف يشتكي منك كثيرا !
أسألها بصراحة دون مواربة:  هل المساهمة المالية المطلوبة لعمل تلك اللوحات المسماة بوسائل تعليمية مقابل التغاضي عن فعل الدروس الخصوصية الذي يرتكبه معظمنا في هذه المدرسة
يختلط عليها الأمر و لا تجد إجابة سريعة ,  ثم يشع من عينيها بريق من أكتشف حلا : طيب لو أنت معك باكو بسكوت و أعطيتني  واحده منه هل معنى ذلك أني أجبرك على هذا ؟ الست تدفعي مع زملائك لشراء طعام دون اعتراض ؟  مش ممكن تدعوني لمشاركتك في هذا الطعام ؟!!!
 تبدو الحيرة و البلاهة على وجهي و لا أجد الكلمات فقد ضاعت كلها في سلسلة من التبريرات الوهمية للسير الدائم إلى حافة هاوية تفتح لنا جميعا فمها بنهم مخيف  .
 تكمل حديثها : هذا ما نريده منك فقط المشاركة الودية بينك و بين المدرسة , لا أحد يجبرك على شئ ,  فقط لا نريد منك سوى المودة , لا تثيري غضب زملائك عليك  فلن يبقى بينك و بينهم  في النهاية سوى المودة .
أشتم رائحة تهديد محلاه  بالعسل  , غثيان لا ينتهي ,  كلمات مبعثرة  , عبارات تائهة , طريق ضائع مبهم .
  وحدي أطنطن عما هو مفروض أن يكون  وحدي أعزف نغمة شاردة يأبى أن يسمعها أحد , أدير وجهي متوجهة إلى الخارج على أجد هواء أملأ به رئتي المختنقتين  .
وسط شرود لا أجد سبيلا للخروج منه أرتقي درجات السلم , تتراءى لي صورتي و أنا أقرأ بنهم الكتب الخاصة بعلوم التربية في سنوات دراستي بالكلية حالمة أني سوف أطبق كل ما فيها فور تخرجي و أعيد إلى عقلي صورتي و أنا أحمل كتب تكنولوجيا التعليم أثناء دراستي في معهد البحوث التربوية و كيف أن جزء الوسائل التعليمية كان يفرد له الصفحات الطويلة لشرح أنواعها الكثيرة المتشعبة التي من الممكن ان تكون خامات بسيطة من البيئة , يشكلها الطالب بيده لتربطه  أكثر بالمعلومة و تعوده الاتصال بالبيئة والمجتمع المحيط به فلا ينمو لديه هدا الشعور القائم بأن المدرسة كيان مقبض معزول عن كل ما حوله , أعود فأتذكر  كيف أنه كان هناك فصل طويل يشرح ضرورة وجود مسئول عن هذا الفرع من تكنولوجيا التعليم قائم بالمدرسة و أن دوره الأساسي تشكيل لجنة من الإدارة و المعلم و المتعلم و ولي الأمر لمناقشة نوعية الوسائل التعليمية المناسبة لميزانية المدرسة و احتياجات المتعلم و احتياجات المجتمع المحيط به,  ضحكة ساخرة تنمو بين شفتي , كل هذا أختصر  في مجرد لوحات كبيرة ملونة تعلق على حوائط المدرسة الخارجية بفجاجة راقصة في فرح بلدي ترتدي من الترتر اللامع و الألوان المزركشة , ما يلفت الأنظار إلى مفاتنها و يبعدهم عن فكرة إن كانت ترقص حقا أم تتلوى  ,أفيق من شرودي  لأجد بوابة الفصل أمامي أزيحها محملة بأريج أمل  يعبق روحي و يأبى أن  ينقطع رغم كل ما يدور حولي من صخب.
 تتجمع بناتي الصغيرات حولي في حفاوة تجذبني عنوة تجاههن  , أبدأ في التناغم معهن محاولة إضاءة شمعة الحياة التي يحاول الجميع إطفائها .
 تقف أسراء تلك الفتاه الحالمة لتسأل ببراءة تكفي العالم و ربما تفيض , ما  الذي يمكن دراسته لأصبح رائدة فضاء ؟ تختطفني عبارتها من دائرة غثياني الدائم   , أجيبها ضاحكة : و لماذا تريدين أن تكوني رائدة فضاء؟
 تجيب بطفولتها المحببة : لأطير في فضاء رحب لا نهاية له
 تتعالى ضحكاتي و أنا أجيبها
:دعيني  أفكر قليلا  ........... لتطيري في فضاء رحب بلا أسوار , ليس عليك سوى أن
تفردي  أجنحتك المطوية  , ترفرفي شاخصة ببصرك للإمام دائما , فخلفك  يقبع عالم قبيح  .

Monday, December 14, 2009

من نحارب و لحساب من




 من صندوق العجائب و الأحلام الذي تزدحم بها رأسي الغارقة دائما في عالم أحلامها الصامت , مزجت بين  صورة المرأة التي ترأس مؤسسة تعليمية (مدرسة) من أكبر المدارس في إدارتنا النائية  , يشار لها بالبنان و تعامل على أساس أنها مدرسة من مدارس الأحياء الراقية ضلت طريقها إلينا و صورة النساء حاملات راية التحرر من قيود مجتمع ذكوري نتوهم أنا نحيا فيه , مندفعة وراء  قوة كل الروايات التي سمعتها عنها من بعد  و غازلت خيالي  الخصب ,قررت الانتقال و العمل بهذه المدرسة , محاصرة و مستغرقة تماما  بصورة عن مديرة مدرسة أنيقة  واعية جميلة الخصال , قوية الشخصية , تقود عدد لا حصر له من العاملين , معلمين و إداريين و الآلاف الطالبات داخل أطار هذه المدرسة و ظلت الصورة تعلو في مخيلتي  فوق كل التحذيرات التي قابلت قراري من قبل بعض زملائي في المدرسة التي  كنت أعمل بها  و التي فسرتها من خلال اعتقادي الخاص على انها مجرد  رفض لفكرة وجود أمرأة قوية قادرة على ان تكون رئيسة و قائدة  ناجحة في مكان ما و تم لي ما أردت و نقلت إلى هذه المدرسة .
اول يوم لي بهذه المدرسة وجدت عدد لا حصر له من المدرسات في المدرسة مع نسبة قليلة من المدرسين , لم اعر للأمر اهتمام , فقد بدا لي الأمر طبيعيا , مدرسة بنات لابد أن تحمل عدد كبير من المدرسات و لم أتصور لحظة أنها تختار العاملين عندها بعناية فائقة أو أنها تستغل سلطتها فتقبل أو ترفض من ينقل إلى مدرستها من خلال درايتها بتاريخة السابق للعمل بالمدارس الأخرى أو لأنها تعلم أن النساء في العموم يسهل اقتيادهن لأنهن مستعدات مسبقا للقهر و الإرهاب  دونما مجهود خارق منها عكس المدرسين الرجال الذين يغلب عليهم القدرة على إثارة الشغب .  حملت أوراقي و ذهبت للقاء مديرة المدرسة بشوق حقيقي للقاؤها , من الوهلة الأولى  انهارت الصورة الخارجية التي رسمتها لها في مخيلتي  , امرأة ضخمة الحجم متدثرة داخل ملابسها الفضفضة في محاولة يائسة لإخفاء سمنتها المفرطة , ضاعت الصورة و لكن بقى الحلم ببقاء المضمون داخل الصورة ,  فهل بقى المضمون حقا ؟
تقدمت لها بخطى وجله يشوبها كثيرا من الخجل و الاضطراب  ,هكذا انا دائما عندما اعبر عالم جديد بعيد عن نسيج خيالي الخاص فأبدو للناظر كطفلة ضلت طريقها بعيدا عن حضن أمها الدافئ في ليله مطيرة قارصة البرد , ربما هذا المنظر أرضى غرورها حتى الموت فقد اتسعت ابتسامتها و رحبت بي بحنان أمومي خلته صادق في البداية  , هدأت نفسي و استكانت على أن المضمون مختبئ داخل الصورة  الخارجية المنهارة .
 ظللت أدافع عنها في كل مناسبة , نافضة عن رأسي كل الروايات التي تبرعت بها تلك الفتاه الرقيقة ضحى التي كانت تحكي عنها فظائع  جعلت الأمر يلتبس علي , فضحى فتاة طموحه مشرقة محبه للحياة , سافرت في بعثة للخارج بمنحة تعطيها لنا الوزارة مقابل اجتياز اختبار التيفل في اللغة الإنجليزية و قد اتفقنا انا و ضحى في هذا الأمر وكنا نجلس معا نحكي عن ذكرياتنا و أحلامنا التي تشبعت بها قلوبنا من تلك النفحة الاروبية التي تنفسنا عبيرها خلال ثلاثة أشهر  , لتعود كل واحده منا حامله وهمها على صدرها طامعة أن تعبر به نفق مدارسنا  المظلم .
ومع إصرار ضحى على إخراجي من وهم أعجابى الخيالي بتلك السيدة دخلنا انا و هي في دائرة لا تنتهي من الحكايات , كانت تمتزج بمحاولتنا المستميتة لحفر أسمائنا في عالم لا يدرك حتى مجرد وجودنا .
ضحى :- مافيش فايده حاولت كثيرا و لكن لا احد يسمع او يجيب وعندما حاولت الاستفادة الشخصية من كم الشهادات التي حصلت عليها اكتشفت انها لا قيمة لها خارج جدران وزارتنا الميمونة.
يومها أخبرتها و انا سابحة في عالم الأحلام : لم تحاولي جيدا , لما لم تعرضي أفكارك على الأستاذة نعمات مديرة المدرسة ؟
نمت ابتسامة ساخرة على وجه ضحى : حاولت كثيرا صديقتي و لكن لم تسمع ولم تهتم .
بدا تساءل و استغراب يشوبه عدم تصديق على وجهي : ولكن أرى أنها تحاول بدأ تطوير المدرسة و النهوض بها سمعت كثيرا عن نشاطها قبل أن آتي إلى المدرسة .
ضحكت ضحى بمرارة شديدة  : نشيطة فعلا في فرض سلطانها على المدرسة و اقتيادنا كعبيد نلهج بالشكر و الثناء لها فقط و حتى هذا لا تقبله إلا من قله و أظن أنها لن تقبله حتى منك برغم صدق إعجابك بها .
لماذا ؟ انطلق سؤالي يحمل نبرة غاضبة
فأجابتني دون اكتراث و كأنها تقول لي برغم سذاجتك الواضحة إلا أن هناك بريق يخرج من عينيك تراه تلك المرأة جيدا و لن تقبله .
أتذكر يومها أني نظرت إليها ببلاهة حقيقية ففي هذه اللحظة اختلط الأمر على و لم اعد افهم شئ
انطلقت ضحى تحكي بعض الروايات الخاصة بأفاعيل تلك المرأة ناعمة الملمس كالأفاعي  و هي تسأل هل تذكري هذا المدرس الطويل اسمر الملامح الذي أختفي من المدرسة بعد مجيئك بشهر تقريبا ؟
أجبتها بنعم هذا المدرس الذي تلاعب بورق الكنترول و طالبت هي بنقله كعقاب بسيط مدعيه أنها تحاول حماية مستقبله من الضياع
أجابت ضحى :أجل هو , لا أستطيع حتى ألان نسيان نظرته المكسورة و هو مطأطأ الرأس أمامنا جميعا بعد أن شهد الجميع عليه بما فيه زملائه المقربين له الذين كان يعدهم أصدقائه , شهدوا على انه تلاعب بأوراق الكنترول و قلوب البنات المراهقات الذي استغل هيامهن بملامحه و سنه الصغير ليلهو بهن , عندما  أخرجت أوراقها التي سجلت عليها تلك العبارات و بصم الجميع دون أن يطرف لهم جفن و لم يتذكر أحد منهم أن دورهم آتي يوما ما.
 للأسف  الجرم الوحيد الذي ارتكبه  هذا المدرس انه ظن أنها قلب أم حاضن له فقد كان حقا طفلها المدلل في المدرسة , تضعه على رؤوس الجميع  , ليكن عصاها التي تضرب بها وقتما تشاء و لكن الفتى كان و لحظه  العسر يحمل ضميرا  مستيقظ على غير العادة أو على غير ما توقعت , فأثناء عمله بالكنترول ليلا في نهاية العام فوجئ أن هناك تلاعب واضح في درجات بعض الفتيات فحمل الورق و قام بتصويره و لسذاجته المفرطة حمل صور الأوراق  إليها و كانت النهاية أنها أخذت منه الصور  و طمأنته ثم كان ما كان .
مازلت ترينها امرأة رائعة و ما يقال عنها حقد على امرأة ناجحة في عالم الرجال ؟
نظرت إليها بعين زائغة لا تعي من الأمر شئ , أحدق في وجهها بشده علها تكمل حديثها فتضع قدمي المرتجفة على ارض صلبة و لكنها بدل من أن تفعل ذلك ألقت بالكرة الدوارة كلها في ملعبي الأسطوري علي اطوي أجنحتي التي أطير بها عاليا بعيدا عن واقعنا الأليم .
 جربي أنت بنفسك , ألم تبدي أي ملاحظة على ثيابك حتى ألان ؟ أجبت بالنفي ,ضحكت و قالت لي تريد ان تعرف أكثر عنك فصمتك الدائم لا يعطي انطباع كافي عنك  , سيحدث الصدام قريبا .
و حدث الصدام :  يوم قررت أن أذهب لأعرض عليها أفكاري و اخبرها بالسلبيات التي توجد في معمل الأوساط التعليمية و معمل العلوم بما لا يتناسب مع رغبتها الواضحة من كلماتها التي تلقيها على مسامعنا في كل مناسبة وكل اجتماع و انه يمكن بأفكار بسيطة تعويض النقص و لكن هذا يحتاج مساعدة المسئولين عن المعملين و لم أكن اعي وقتها أني أضع أولى خطواتي داخل عش الدبابير كما يقال فهذان المكانان تحديدا هما الوكر الذي يختبئ داخله حاشيتها التي تحيط بها محدثة شبكة من المصالح الشائكة التي يصعب استيعابها أو محاولة الاقتراب منها حيث الميزانيات المدرسية المنهوبة  و أن حاولت أن تفهم أو تقترب  سيكون المصير المنتظر  كمصير هذا المدرس الذي خرج مكلل بالعار لأنه حاول بنفس السذاجة الحالمة اجتياز أحد  أبواب هذا  العش .
لم أنسى حتى ألان نظرتها الغاضبة المغلفة بكراهية تكفي العالم وهي تخبرني أن المعملان على أعلى مستوى وتتساءل  من أين أتيت بكل هذه السلبيات الوهمية ؟
 و في سرعة ومهارة قد يفشل أعظم الممثلين اجتيازها  , لانت نظرتها , لتعود و تحمل نظرة ألام آكلة أطفالها وهي تلقي  بقطرات سمها في وجهي  :أنت جميلة و صغيرة ,  لا ترتدي تلك الجيب التي تكشف جزء من ساقك الأبيض , عندنا مدرسين لا تفوتهم فائته و فتيات صغيره نحن قدوة لهن حينها  تجمدت أوصالي و لم استطع أن انطق أو أحرك ساكنا !!

Thursday, November 19, 2009

وباء لا مصل له




و باء لا مصل له
أعشق البدايات , أندفع ناحيتها  بحماس و حب شديد ,يفتر بعد فترة لا أنكر ذلك و لكن دائما يكون هناك بداية جديدة , مثل بداية عام دراسي جديد , أقبل عليه بشوق و حلم بأن هذا العام سيكون أفضل من سابقة, أحساس لازمني طوال سنوات دراستي و استمر معي حتى ألان تنتابني حالة من السعادة الغير المبررة مع بداية العام الجديد , في المدرسة دائما هناك جديد رائع بعيدا عن كل ما هو عطن , فاسد  مثل أللقاء بطالبات جدد يحملن بعض من ملامح الطفولة  التي تتصارع مع مظاهر البلوغ البادئة في التوغل داخل روحهن و أجسادهن , اعشق أن أراقبهن و هن يكبرن أمام عيني كل عام اشعر أني  دائما أولد معهن محملة بحياة جديدة .
لكن هذا العام حتى تلك الاشراقه الوحيدة في مدارسنا العامرة بكل  مقبض و بغيض لا مكان لها فقد وجدت الوزارة طريقة رائعة لغلق الدائرة تماما حول أعناقنا   لندور في دائرة العمل العشوائي  المختلط برعب الوباء القادم من خلال إحتياطات وهمية للوقاية وحماية الصغار من الوقوع في براثن هذا الوباء.
   و لكن ما هذا الوباء هل هو أنفلونزا الخنازير هذا الرعب المسيطر على عقولنا جميعا أم ان هناك وباء أخر بدأ  التوغل داخل أرواحنا .
شيماء فتاه جميلة تلهو كطفلة , تعلو ضحكتها المرحة , تجري و تلعب مع صاحباتها , أراقبها بحب يشوبه بعض الضيق  ,أتساءل داخل أرجاء ذاتي ما سبب هذا الضيق الذي يعتريني كلما رأيتها تجري و تلعب؟  أليس من حقها ذلك ؟ أكره مشهد جريها المتعثر و هي مكبلة داخل هذا الرداء الغريب الذي لا يتناسب مع طفولتها المتدفقة, فهي مختفية داخل هذا الإسدال العجيب ماذا يريد أن يخفي أهلها , ليحاصروا طفولتها داخله , كم اعشق ضحكاتها البريئة .
في هذا اليوم استوقفتني أم متخفية تماما لا يظهر منها حتى بريق عينيها مرتديه هذا السواد الذي أصبح يحاصرنا  في كل مكان وقفت أحاول كبت ضيقي , أحدثها و هي تسأل عن أبنتها , ثم بدأت في الحديث الذي جاءت من أجله , تطلب مني خدمه ترجو أن أستطيع تحقيقها لها أنظر إليها متسائلة ؟ تخبرني أن فتاتها تجلس بجوار فتاه مسيحية تحمل في حقيبتها أيقوناتها و تخرجهم لتريهم لابنتها و هذا يشعر ابنتها بالانقباض و الخوف , تتكلم بحزن وخوف حقيقي نحن لا نحب المسيحيين و ابنتي لا تريد أن ترى صورهم , أرجو أن تنقليها من هذا المكان  , انظر إليها و حيره عارمة تتملكني , لا أستطيع أن أحرر جواب أسأل الفتاه هل صديقتك تضايقك في شئ  أراكما متحابان تلعبنا و تجرينا و تأكلنا معا , تومئ الفتاه برأسها علامة الموافقة لكنها تعود لتنظر إلى أمها و يبدأ الاضطراب يسري داخل الحروف و الكلمات المبعثرة من فمها الصغير:  أخاف من تلك الصور التي تحملها و أمي تخبرني أنهم كفار و سيدخلون النار لا أريد أن اجلس إلى جوارها .
غربه شديدة , يتعال في تلك اللحظة صوت الأذان يملأ أرجاء المكان و ينتشر الصمت أحتراما للكلمات وتبدأ ألام في الترديد معه حتى ينتهي و أنا انقل بصري بينهما و هما متدثرتين بأثمالهما الكثيرة و السواد التي تلتحف به الام و تريد نثره داخل قلب ابنتها الغض فتنقلب البراءة الطفوليه إلى خوف و غضب و نفور حتى من صديقة لهوها الطفولي .
على مسافة ليست ببعيدة من تلك المرأة و الابنة,  تقف مجموعة من الفتيات متحصنات بأنفسهن معتزلات الجموع التي تدور حولهن جميعهن بدون غطاء للرأس يتحدثن و يتضاحكن, جميعهن مسيحيات لا تجد بينهن صديقة واحده مسلمه و عندما  ادرت ظهري لتلك المرأة متوجهة إليهن ساد صمتا بينهن و بدأن في محاولة فاشلة ومضطربة تغير دفة الحوار الدائر بينهن حتى انطلقت إحداهن ببراءة و عفوية غير مقصودة وسط نظرات الغضب و التحذير التي تحيط بها  تخبرني ان صديقتها أخبرتها أنها سوف تتدخل النار  و لما لا تدخل صديقتي النار و ادخل انا الجنة , فسألتها و لما ترهقي عقلك بهذا الأمر دعي الجنة و النار لخالقهما أنت ألان على الأرض ومازلت تعيشي , لما تتحدثي أنت و صديقتك عن ما بعد الحياه؟ , هزت الفتيات الرابضات إلى جواري رأسهن و هن يحاولن نفض ضيقهن من كل ما يدور حولهن في هذه اللحظة أشرت  للفتاه الواقفة بجوار أمها فجاءت الى مسرعة و أمسكت بيد تلك الفتاه الأخرى
و سألتهما ألستما صديقتان , فهززنا رأسيهما علامة الموافقة , ابقيا على هذا و لتسمعي آذانك و ترددي معه كيفا تشائين و أنت تأملي أيقوناتك و احفظيها داخل روحك كما تشائين أنت أيضا
وقفتا الفتانتين متقابلتان يعلو وجهيهما علامات من الإقبال  و الحب يشوبوهما الاضطراب و الخوف و في خلفية لقاءيهما المضطرب تقف ألام المتشحة بالسواد و الفتيات المتحصنات بأنفسهن معتزلات عن كل ما  حولهن , يحملن داخل طيات روحهن المضطربة عبارات تتردد داخل عقولهن الصغيرة  تنطق بنفس الغضب و الاحتقان و الوعيد بنار تأكل العقول و الأرواح  الحرة و تشيع داخل النفوس وباء لا مصل له و لا وقاية منه  .    

Friday, October 2, 2009

صورة أخرى على أرض الواقع



و بعد دوران دائم استمر عامين كاملين, حامله خلالها ورقة خطت عليها طلب نقل من القرية التي عملت بها طوال العامين, كنت فيها مصدر لسد عجز مدرسي مادتي في كل القرى المجاورة لمدينتي لا لشئ إلا أنني لا وساطة لي سوى عملي الذي أقوم به بجد و نشاط ,استجاب التوجيه المسئول عن تحريك المدرسين خلال المدارس لمطلبي أخيرا وتم نقلي لمدرسة بالمدينة التي أحيا بها و قد أعطاني هذا شعور ضئيل بالارتياح لتخلصي من عناء السفر اليومي إلى القرية التي اعمل بها داخل عربات اقل ما توصف بها انها لا تصلح للاستعمال الآدمي و إنها يمكن إن تنقل ماشية لا بشر تذهب لقضاء مصالحها و توقف بهذا النقل النزيف الدائم لراتب شهري مستنزف قبل استلامه لضآلته الشديدة .



وصلت إلى المدرسة الجديدة لاستلام عملي و أول من التقيت به هو مدير المدرسة , شخص يدعو إلى الانقباض لمجرد رؤيته تبدو على وجهه ملامح الخبث و الدهاء دون ان يتكلم ,حاول من أول لقاء أن يبث داخلي كل مشاعر الخوف و الرهبة ليشعرني انه يقود المدرسة بيد من حديد, لكن ما نجح في أن يوصله إلى بجداره ليس الخوف و لكن الضيق و ربما الاشمئزاز أحيانا .






وتدريجيا توصلت الى أسباب الشعور الذي نما داخلي منذ اللحظة الأولى للقاءي مع هذا المدير و ذلك من خلال مراقبة ما يدور حولي من بعيد دون تفاعل حقيقي , فقد أفقدتني المدرسة السابقة أي رغبة في التفاعل وكنت كل ما ارغب فيه بصدق هو اداء عملى ثم الفرار سريعا الى بيتي و الاختباء داخله بعيدا عن عالم لا امتلك آلية التعامل معه او فهم طبيعته.


الطلاب هنا تتباين طبائعهم و أن كانت تتفق في شئ واحد هي الجرأة الممزوجة باللامبالاة وعدم الرغبة الحقيقية في التعلم, علاقتهم بالمعلمين شائكة يغلب عليها تجاوز جميع الحدود و الاستهانة بكل من حولهم وعلى الجانب الاخر يتقبل المعلمين هذا الأمر بسماجة الذليل الذي يجامل مالك قوته حتى لا يفر منه الى اخر حيث المنافسه قوية بين المعلمين على اجتذاب الطلبة و التأثير على عقولهم ليكونوا زبائن لهم في المجموعات المدرسية و الدروس الخصوصية ,مما يخلق مناخ غريب يصعب فهمه و تجد أمامك تشابه كبير بين علاقة المدير بالمعلمين و علاقة المعلمين بالطلبة , حيث يفتح المدير درج مكتبه لكل من يمتلك القدرة على المنح من العاملين بالمدرسة , وهؤلاء يكون لهم كل الحظوة عنده دائما , يجيئون و يذهبون من و الى المدرسة و قتما يشاؤنا بينما يظهر صالح العمل و مراعاة الضمير فجأة لمن يكون خارج هذه الدائرة المغلقة داخل المدرسة .


إبقاء على عهد أخذته على نفسي بأن اكتفي بدائرة خاصة بيضاء بعيدا عن عالم كل دوائره سوداء مظلمة لا امل فيها ظللت ارقب كل هذا من بعيد .


ربما احيانا كنت اشعر بمتعه شريرة و انا امسك القلم الأزرق لأخط الإجابات داخل ورقة الإجابة الخاصة بالطلبة في امتحانات نهاية العام و اعيد تصحيحها و تنجح الورقة بعدها متوحدة تماما معها و كانها هبطت من عالم اخر لا علاقة لي به و لا بصاحب هذه الورقة.


لم اعد احدث ضجيج على ما يحدث داخل اللجان فليفعلوا ما يريدون ليس بالضرورة ان اكن المكلفة الوحيدة بأنقاذ عالم هؤلاء الطلبة من الضياع .


أحيانا تجد نفسك و قد اصبحت ترس مكمل لدوائرهم العطنة تنسج خيوط قوية من المبررات


تمنحك تصالح ظاهري مع نفسك مستسلم تماما لكل ما يحدث حولك بل و مشارك فيه أيضا لكن هذا لا يستمر طويلا تجد ان هناك من يتسرب داخل عالمك الخيالي يفسده و يحرك ماءه الراكدة فتزكم انفك رائحة العطن الذي غرقت فيها و انت تسبح داخل سماء تبريراتك .


ذات يوم دخلت الفصل في حصة أضافية يطلق عليها (حصة احتياطي بدل مدرس زميل غائب )و حملت معي كتاب اعتدت حمله للقراءة فيه وقت فراغي بالمدرسة ,كتبت بعض الأسئلة على السبورة وتركت للطلبة حرية الاختيار فبدأ بعضهم بتسجيل إجابتهم في ورق و البعض الآخر تجمعوا ليكملوا حكايات قد بدأت بينهم قبل وصولي إلى الفصل و أخير من تجمعوا حولي احكي لهم ما في الكتاب و نطرح مع بعضنا الأسئلة و نحاول أن نجد لها حلول , ما الداعي في أن أقيدهم داخل مقاعدهم الصغيرة و أظل اصب على رؤوسهم معلومات , صماء لا روح فيها وفجأة أثناء اندماجنا في حلقاتنا المختلفة داخل الفصل بين الثرثرة المرحة و التحاور الجاد في المواضيع التي يضمها الكتاب الذي احمله و البعض الذي يحل الأسئلة الدراسية و يقبل ليسألني في بعض ما يستعصي عليه فهمه و أحاول شرحه له ,أفقنا على صوت دفع الباب من الخارج وإذا برجل غريب عن المدرسة وسط الفصل يسأل عن المعلمة و عندما أجبته بأني هي المعلمة الموجودة داخل الفصل , تملكته ثورة عارمة مبديا استياءه من الضوضاء التي بالفصل و هجم على الكتاب الذي في يدي وزادت ثورته عندما وجده كتاب عام لا صله له بالمنهج التعليمي الذي ادرسه و أخذه معه و هو خارج على أساس انه امسك في يده جسم الجريمة ,لم امتلك القدرة على الرد و لم يترك لي هو مجرد ترف المحاولة و خرج يكيل الإهانات و الاتهامات لكل من يقابله من العاملين بالمدرسة حتى جرت دماء الغضب في عروق احد المعلمين و انهال عليه بالضرب و السباب و كانت النتيجة انه أحال جميع المدرسة إلى التحقيق, فقد كان متابعة من وكالة الوزارة جاء لتصيد الأخطاء, فكل مخالفة قانونية نرتكبها تضاف إلى رصيد حوافزه المادية و تمت مجازاتنا جميعا ,هذا الجزاء الذي لم ينفذ لان احد المجازين معنا كان قريب لعضو مجلس شعب حمل تظلمنا و رفع عنا الجزاء !!!!


استمر عملي بهذه المدرسة عامين أخرين ترتعش فيه مياه حياتي بين ركود و كدر عفن لا نهاية له أنجبت فيها طفلي الأول و امتلأت حياتي بأحلام جديدة له هو فقط نسيت فيها تماما أني أعمل في مدرسة أو أني في يوم ما حلمت أن أكن هذا الرسول الذي يسعى لنشر رسالته على من حوله كما ظلوا طوال أعوام عمري الأولى يلقنونا هذا البيت الشعري عن المعلم الذي كاد أن يكون رسولا؟؟!!


في ختام هذين العامين ظهرت على السطح حادثة عم سعيد الشهيرة, هذا الرجل المتكور المرح الذي لا يكف عن الثرثرة و الشكوى الساخرة من امرأته و أولاده الذين لا يوقفوا أبدا نزيف احتياجاتهم اليومية من راتبه الذي لا يكفي حتى لأكل العيش إلحاف, يعطف عليه جميع العاملين رثاء لحاله و حبا لشخصيته المرحة المتفائلة و استعداده لتقديم أي كتب أو كراسات فائضة عنه لمن يطلب من المدرسة دون قيد أو شرط أو هكذا كنت أتخيل , نظرا لانعزالي التام و بعدي عن التفاصيل الدقيقة التي تدور بين معظم العاملين بالمدرسة و التي دائما تختبئ وراء تفاصيلهم العادية التي يراها الجميع.


عم سعيد يعمل أمين مخازن بالمدرسة مسئول عن استلام الكتب و تسليمها للطلبة مباشرة و إعادة الفائض منها إلى المخازن العامة ثانية و هكذا, في هذا العام فوجئنا بمدير المدرسة يدور على جميع العاملين بالمدرسة من معلمين و إداريين يطالبهم بدفع ما يجودون به لسد العجز المكتشف في عهدته, حيث انه قام ببيع الكتب المتبقية و لم يعيدها إلى المخازن العامة كما كان مفترض إن يحدث و صبغ كلماته بصبغة الخير الذي لا مصلحه له فيها , سوى إنقاذ عم سعيد من السجن الذي سيهدم بيته و يشرد أولاده المساكين الذين لا عائل لهم غيره , رفض عدد منا وكنت من بينهم المشاركة في تلك المهزلة ,فكل سارق لابد إن يأخذ عقابه و لكنه لم يتركنا حتى تنازلنا عن موقفنا بعد إن التبس علينا الأمر, فتفاصيل حياة عم سعيد شائكة حقا و تدعو للحيرة و جمع المبلغ و انتهت ألازمة و اكتشفنا في نهاية العام إن هذه ليست أول مرة تحدث و لكنها أول مرة يفضح أمرها و إننا كن ننقذ عم سعيد و المدير و الأمين العام للمخازن ألعامه و ربما مدير الإدارة التعليمية أيضا من سرقة اعتادوا القيام بها إلى أن جاءت لجنة جرد وزارية فكشفت المستور أو ربما لم تجد ما تقتسم معهم ففضحت أمرهم .


حملت ورقة جديدة بطلب جديد لمغادرة المدينة كلها و الهجرة مع أسرتي بعيدا إلى القاهرة حامله حلم جديد بحياة أفضل, ربما هناك أجد عالم جديد مختلف عن هذا العالم


و لكن هل وجدته حقا ؟؟!!